دمشق | على بعد عشرات الأمتار من مبنى محافظة دمشق يتمركز سوق «البحصة» الإلكتروني محاطاً بحارات دمشق القديمة. كثافة المحال التجارية، البالغ عددها، بحسب إحصاءات المحافظة، أكثر من 160 متجراً إلكترونياً في مساحةٍ لا تتعدى كيلومتراً مربعاً، كانت كفيلة بخلق منافسة عالية بين تجار «البحصة» ــ أو «وادي السيليكون» السوري، نسبة إلى «وادي السيليكون» في ولاية كاليفورنيا الاميركية، حيث مقار معظم شركات البرمجيات والتكنولوجيا المتطورة ــ لتسويق أجهزة الحواسيب المحمولة والمكتبية وصولاً إلى آلاف الأسطوانات البرمجية المعروضة على الأرصفة.
بمرور الزمن كثرت المحال، ووجد تجّار جدد مكاناً لهم في السوق الذي تحوّل إلى مركز أساسي لبيع وشراء وصيانة الأجهزة الإلكترونية وملحقاتها، ومقصد للعديد من التجار في الدول المجاورة. «سبب هذا الإقبال هو أسعار منتجاتنا، الرخيصة نسبياً» يجزم ماهر زرزور، أحد تجار السوق، ويضيف لـ«الأخبار»: «يعتمد أغلب التجار هنا على البيع الكثير والربح القليل، لذلك فإن أسعارنا غير قابلة للنقاش والمفاصلة لأنها بالأصل رمزية». بينما يرى رائد ياسين، صاحب متجر «Power» أنّ «السوق يتأثر يومياً بتقلبات سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، ما يجبرنا على إعادة تسعير كافة منتجاتنا بشكلٍ شبه يومي»، ويتابع شارحاً: «العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع الأسعار منعتنا من استيراد الأجهزة الإلكترونية الأصلية، لذلك يمكنك أن ترى في السوق تزايد حركة بيع وشراء الأجهزة المستعملة والأجهزة الصينية». ويرفض ياسين الشائعات التي تتحدث عن سوء الأجهزة الصينية، مؤكداً أنّ الأمر «يتوقف على النخب المستورد. من جهتنا لا نستورد إلا النخب الأول، المنافس للأجهزة الأوروبية واليابانية والكورية». ويوضح عمر كردي، صاحب متجر أسطوانات «DVD&CD»، الفرق الكبير بين أسعار المنتجات الأصلية، ومنتجات «البحصة» قائلاً: «تكلفة النسخة الأصلية من نظام Windows 7 تزيد على 200 دولار (44000 ليرة سورية)، ما نفعله هنا أننا نقوم ببيع نسخ غير أصلية، أضيفت إليها ملحقات التعريف، ما يجعلها مطابقة للنسخة الأصلية، وبسعر 200 ليرة فقط (0,90 دولار)». وأكد أنّ زبائنه لا يقتصرون على أبناء البلد: «نبيع هذه الأسطوانات بكميات كبيرة للأسواق المجاورة، ولا سيما الأردن ولبنان. كذلك يتزود المهاجرون السوروين إلى بلدان العالم بالكمية اللازمة من هذه الأسطوانات قبل السفر، لمعرفتهم أن أسواق الخارج تمنع بيع البرامج المقرصنة».
في المقابل، يشتكي فارس عوض، أحد الزبائن المواظبين على زيارة السوق، من تكرار المنتجات في مختلف متاجر البحصة: «غالباً ما يستورد التجار من ذات المصدر، وبالتالي لا يوجد القدر الكافي من التنوع في المعروضات، ما يجعلك محكوماً بما يعرضه السوق».

تهديدات تتربص بالسوق

على الرغم من الخدمات التي يقدمها سوق البحصة للسوريين، إلا أنّ ثمّة ما يهدد خدماته هذه. خالد صالحاني، صاحب متجر «البدر» للإلكترونيات يوجز تلك التهديدات بالقول: «نحن مهددون بأن الحكومة ستعمل على منع بيع الأقراص المدمجة غير النظامية. هذا ظلم كبير، لأنها بذلك ستمنعنا نحن من البيع، وتفتح المجال أمام الحيتان من التجار لاستيراد الأقراص من الخارج، وبيعها بعشرات أضعاف سعرها الحالي»، مؤكداً أنّ ظلماً من نوع آخر يلحق بتجار السوق في الوقت الراهن، إذ «بالأصل أرباحنا قليلة. غير أن موظفي المالية وجباة الضرائب تأخذهم حركة البيع والشراء في السوق فيفرضون علينا ضرائب باهظة جداً لا طاقة لنا على تحملها». وحول إن كان انتشار الإنترنت، وسهولة حصول المستخدمين على نسخ مقرصنة أثّر بحركة البيع في السوق، يقول صالحاني: «ليس لدى الجميع المعرفة بكيفية استخدام الإنترنت، ثم إن النسخ المنتشرة على المواقع الإلكترونية غالباً ما يجري كشفها سريعاً لخلوّها من الملحقات الضرورية». غير أنّ غالبية تجّار سوق البحصة أجمعوا على أنّ التهديد الأكبر على تجارتهم يتأتّى من انتشار «الأسواق الافتراضية»، الجديدة على المجتمع السوري، حيث يتبادل آلاف المستهلكين قطعهم الإلكترونية المستعملة دون الحاجة إلى وسيط تجاري، وهذا ما يمكن أن يجعل حركة البيع في البحصة تقتصر على المنتجات الجديدة.