تكاد الجلبة التي أحدثها قرار المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الأمني، أن تطوى، وتدخل في منطقة السبات، التي يسكن فيها المجلس نفسه، مع باقي مؤسسات منظمة التحرير منذ وقت طويل. كل ما سنراه، بين حين وآخر، أن هناك من يخرج للمطالبة بتنفيذ القرارات الصادرة عن «الهيئات الشرعية الفلسطينية»، ومن بينها القرار المذكور. وذلك على غرار تلك الدعوات المملة لتفعيل المنظمة.
أصلا ما كانت الجلبة لتحدث لولا بعض التصريحات المتفائلة التي يتوق أصحابها إلى التخلص من العار المسمى التنسيق الأمني من ناحية، وتلك التي راحت تناقش مدى «إلزامية» القرار «للقيادة الفلسطينية» من ناحية ثانية. من أعطى لنفسه وقتاً كافياً لاستحضار التجربة مع «القيادة الفلسطينية» (هو تعبير بدلالات متعددة وفيه من الهيبة بقدر ما فيه من التمييع)، أدرك منذ البداية أن هبّة «المركزي» زوبعة في فنجان، وسوف تتبخر سريعاً لتعاود الوقائع سيرتها الأولى.
من المفترض أن المجلس المركزي مؤسسة وسيطة بين المجلس الوطني، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وبناءً عليه فإن قراراته تحمل طابعاً ملزماً للجنة التنفيذية على غرار قرارات «الوطني». وليس هناك ما ينص على توقيع الرئيس لتفعيل القرار، لكن الواقع يحكي قصة أخرى: لقد أنهت «القيادة الفلسطينية» دور هذه الهيئات منذ أمد طويل. وتحولت منظمة التحرير بكلها وكلكلها إلى جهاز من أجهزة السلطة ليتولى تخريج ذلك النوع من القرارات والتوجهات التي تتطلب فخامة الصدور عن المنظمة وهيئاتها المختلفة. ولا تنفذ عادة... إلا حين تكون في مسار خدمة التزام اتفاق أوسلو وملحقاته!
من المفترض ألا يحوي القاموس السياسي الفلسطيني تعبير «القيادة الفلسطينية» الذي يدل على مزيج طريف تدمج فيه هيئات المنظمة (اللجنة التنفيذية...) مع هيئات فتح (اللجنة المركزية...) ووزراء السلطة، والمحظيين لدى الرئيس من قادة الفصائل الأخرى. لقد جرى تظهير «القيادة الفلسطينية» بغية تغييب «التنفيذية» ودورها، والمؤسسين على تغييب منظمة التحرير، من أجل إيجاد الميوعة اللازمة للتعامل مع هذه الفوضى العارمة والمقصودة.
وكان من المفترض الحفاظ على ما بقي من هيبة للمؤسسات التي يجري استدعاؤها بين وقت وآخر لأداء أدوار محددة. أقله احتياطا من أجل مراحل أخرى. والمعلوم أن إصدار قرار من «المركزي» مع توافر النية المسبقة بعدم تنفيذه يحمل إساءة بالغة للمجلس، ويسبب مزيدا من التآكل في مؤسسات المنظمة، ويحرم أولئك الحريصين على القرارات الفخمة الاستمرار في المناورة نفسها.
قبل كل هذا وبعده، ما كان يجب الصمت لكل هذا الوقت عن العار المسمى التنسيق الأمني. لم يعد من متسع حتى للمناورات البائسة في هذا الموضوع الخطير والبالغ الحساسية. مراجعة الإحصاءات التي ينشرها الاحتلال عن «نجاحات» التنسيق يجب أن تُشعر من يقومون عليه ويصرون على الاستمرار فيه بالخجل. لا تزال هناك فسحة من الوقت لفعل شيء ما، أقله حتى لا تتضخم حالة الخيبة لدى أصحاب النيات الطيبة في «المركزي»، وربما يمكن حينئذ أن تعود ملامح ثقة مفقودة بمؤسسات المنظمة، أو ما بقي منها!