ريف دمشق | لم تكن المسافة الفاصلة بين أحد مقار «الجيش الأول» التي استهدفها سلاح الجو السوري أمس، والجولان السوري المحتل، تزيد على كيلومتر واحد. يوم أمس، وعند الساعة الرابعة عصراً، نفَّذت الطائرات الحربية السورية غارات دقيقة على مقر «الارتباط والتنسيق» (كما تفضّل أن تسميه مصادرٌ عسكرية سورية) التابع لـ«الجيش الأول» في قرية كودنا في الريف الجنوبي للقنيطرة، بالتزامن مع غارات على مواقع للمسلحين في بلدات ومزارع العشة والفتيان ورويحينة وعين زيوان.
الضربة استهدفت «الجيش الأول»، الفصيل الأكثر تنسيقاً مع العدو الصهيوني ومع الاستخبارات الأردنية، والذي تتولى إدارة عملياته غرفة العمليات المشتركة في الأردن (موك) التي تضم ممثلين عن الاستخبارت الأردنية والأميركية والسعودية والفرنسية، وتعمل بالتنسيق مع الاستخبارت الإسرائيلية.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن العملية استهدفت تجمعات للمسلحين، واجتماعاً قيادياً كان يجري فيه التخطيط ــ بناءً على طلب غرفة «موك» في الأردن ــ لشنّ هجوم كبير على ريفَي درعا والقنيطرة. وأدت العملية إلى مقتل العشرات، بينهم 12 قيادياً، وجرح عدد كبير من المسلحين، نُقِل 85 منهم إلى مشافي جيش الاحتلال الإسرائيلي والمشافي الأردنية. وبين القتلى أبو أسامة النعيمي، أحد أبرز أذرع الاستخبارات الإسرائيلية في منطقة الجنوب السوري.
وبحسب المصادر، فإن خطة غرفة «موك» كانت تقضي بشن هجوم ضخم على مدينة البعث وخان أرنبة وجبا وتل كروم جبا وتل بزاق وتل الشعار في ريف القنيطرة، بهدف الوصول الى «أتوستراد السلام» (القنيطرة ــ دمشق) والالتفاف على قوات الجيش السوري التي شنّت في شباط الماضي عدّة هجمات على مثلث درعا ـ القنيطرة ـ ريف دمشق، وسيطرت على بلدات الدناجي ودير ماكر ودير العدس، وصولاً إلى السلطانية وتل قرين وغيرها من البلدات والمواقع العسكرية. وطلبت غرفة «موك» أيضاً من المسلحين السيطرة على تل الشعار وتل الشحم ودير ماكر.

صدّ الجيش لليوم
الرابع هجمات «النصرة» على حندرات


وقالت مصادر عسكرية سورية إن العملية «تُسقط أوهام الإرهابيين الذين اعتقدوا بأن الجيش عاجز عن استهداف تحركاتهم على تخوم الأرض المحتلة وتدمير مقارهم نظراً إلى موقعها».
عملية الجيش هذه جاءت متزامنة مع مواصلة وحداته التصدي للهجمات المتتالية التي تشنها جبهة «النصرة» و«أحرار الشام» و«جبهة أنصار الدين» وفصائل مسلحة أخرى، تحت مسمى «معركة تحرير حندرات». المعركة التي استقدم المسلحون إليها تعزيزات بشرية ولوجستية من قرى ريف إدلب وسائر مناطق وجودهم في الشمال السوري، ومن تركيا، يشارك فيها عدد كبير من المقاتلين الأجانب، وخاصة القوقازيين الذين يحظون برعاية مباشرة من الاستخبارت التركية. وفي اليوم الرابع من المعركة، نجح الجيش السوري في صدَّ كل الهجمات التي شنّها المقاتلون على محاور المدجنة في حندرات وتلة المضافة في الريف الشمالي من حلب. مصادر الجيش السوري أفادت «الأخبار» عن استمرار الاشتباكات «على أكثر من محور وفي ذات الوقت»، مؤكدة أن السائد في المعركة هو «عمليات الكر والفر والكمائن المتقدمة التي استطعنا فيها إرداء العشرات من الإرهابيين قتلى وجرحى». وتمكن أهمية المعركة في كونها أتت بعد عملية الجيش في الريف الشمالي لحلب، الشهر الماضي، والتي هدفت إلى فك الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء المحاصرتين منذ تموز 2012، وإلى قطع الطرق بين تركيا ومدينة حلب، وإلى فصل مدينة حلب عن ريفها. أما جغرافياً، فيريد المسلحون السيطرة على حندرات، لمنع الجيش من التوغل أكثر في الريف الحلبي الشمالي، بعد سيطرته على بلدة باشكوي الشهر الفائت، في العملية التي تمكن فيها المسلحون من وقف تقدمه واستعادة السيطرة على بلدتي رتيان وحردتنين بعد أيام قليلة من دخول الجيش إليهما.
على هامش المعركة، كانت الصفحات الإعلامية التابعة للمعارضة المسلحة تشنُّ هجوماً إعلامياً موازياً، حاولت من خلاله الترويج لسقوط حندرات وتلة المضافة بأيدي الفصائل المهاجمة، في وقتٍ نُشِر فيه تسجيل مصور لأحد مقاتلي «غرفة عمليات تحرير حلب» يعلن خلاله دخولهم إلى حندرات والمضافة، فيما تبين لاحقاً زيف هذا الزعم، بعد قيام الجيش السوري بكمينٍ متقدم سقط خلاله أكثر من عشرين مسلحاً بين قتيلٍ وجريح، من بينهم أبو يحيى الشيشاني، أحد قادة «جيش المجاهدين والأنصار»، فضلاً عن تدمير نحو 10 آليات. ومساء أمس، أقرّت صفحات إعلامية معارضة بعدم سيطرة المهاجمين على حندرات.
وفي الريف الجنوبي لدمشق، يتصاعد الرفض الشعبي لممارسات المجموعات التكفيرية. ففي بلدة بيت سحم، التي باتت تمثِّل مركز ثقل لـ«النصرة» بعد انسحاب مقاتليها من ببيلا، صدر بيانٌ عن وجهاء البلدات الثلاث، بيت سحم وببيلا ويلدا، يدعو «النصرة» إلى الخروج من بيت سحم، ويحذر من التعرض لأعضاء المصالحة الوطنية، أنس الطويل وصالح الخطيب وأبو عبدو الهندي، ويؤكد أن أي اعتداء على الأهالي سيواجه «بالرد المباشر».
كذلك استعاد الجيش السوري السيطرة على بلدة رسم مرتع الفرس في ريف محافظة السويداء، بعد تكبيد مقاتلي «داعش» خسائر بشرية فادحة في البلدة.