وجّهت إسرائيل بسياسييها ومعلقيها وإعلامها، يوم أمس، انتقادات واسعة جداً لخطاب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، واصفةً إياه بـ«الخطوة التي أضرّت بالمصالح الإسرائيلية»، فيما شذ عدد من وزراء ونواب حزب «الليكود»، ليكيلوا المديح لنتنياهو، تحديداً كما فعل وزير الأمن موشيه يعلون.
يعالون وصف الخطاب بالتاريخي، معرباً عن اقتناعه بأن نتنياهو يقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ، إذ إن «الكونغرس الأميركي هو الحاجز الأخير أمام عملية عسكرية لوقف المشروع النووي الإيراني»، فيما أعرب وزير الداخلية وعضو المجلس الوزاري المصغر من «الليكود»، غلعاد اردان، عن اعتقاده بأن «كثيرين في العالم العربي وفي السعودية وأماكن أخرى لدى العرب، يدعمون محتوى خطاب نتنياهو».
رغم ذلك، فإن تصريح يعلون والعدد المحدود من السياسيين في «الليكود» لم يغيّرا منسوب الانتقادات وحدّتها، إذ كاد الإعلام العبري ومعلّقوه يجمعون على نتيجة واحدة: خطاب فاشل لا يغيّر في الواقع شيئاً.
ووفق تعبير وزيرة القضاء السابقة ورئيسة حزب «الحركة»، تسيبي ليفني، فإن الخطاب زاد عزلة إسرائيل وألحق ضرراً كبيراً بمصالحها، كذلك أفقدها القدرة على التأثير في البرنامج النووي الإيراني، فيما أشار رئيس حزب العمل، يتسحاق هرتسوغ، إلى أن إيران تحولت بالفعل كي تكون «دولة عتبة نووية»، لأن زعماء الدول الكبرى لا يستمعون إلى نتنياهو «الذي فاقم خطابه النفور الغربي تجاه إسرائيل». وأضاف هرتسوغ: «الحقيقة الأليمة هي أنه بعد التصفيق، بقي نتنياهو وحيداً، وإسرائيل بقيت معزولة، والمفاوضات مع إيران ستستمر».
من جهة ثانية، أكدت صحيفة «هآرتس» أن الخطاب كان فارغاً من المضمون، بل شددت على أنه لن يكون له أي تأثير في المفاوضات الجارية مع إيران، بقيادة الولايات المتحدة.
وكتب تسفي برئيل، في الصحيفة، أنه مع انتهاء الخطاب، سيبدأ بالزوال الانتقاد على العرض الإسرائيلي كما أبداه نتنياهو، لكن المراقبين سيبدؤون قياس درجة حرارة الكتف الباردة التي ستديرها الإدارة الأميركية لإسرائيل. وأضاف برئيل: "من المحتمل أن يكون نتنياهو قد حقق نصراً سياسياً (داخلياً)، لكن هذا النصر محمّل بالمصيبة، لأن أعضاء الكونغرس لم يسألوه، وهو أيضاً لم يعرض جواباً عن سؤال: ماذا سيكون، إذا ما وقّع الاتفاق مع إيران؟».
أيضاً، كتب يوسي فيرتر في «هآرتس»، تحت عنوان «نتنياهو يأمل أن يفوز في الانتخابات بإلقاء الكلمات»، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة السابق، مناحيم بيغين، انتصر في انتخابات عام 1981 بعد أن شنّ هجوماً على المفاعل النووي في العراق، لكن نتنياهو يأمل أن يفوز في انتخابات 2015، بشن هجوم كلامي على إيران والاتفاق النووي. وأضاف فيرتر: «هو لا يفعل شيئاً سوى الاكتفاء بإلقاء سلسلة من الخطابات»، لافتاً إلى أن تصريح نتنياهو بأن إسرائيل ستدافع عن نفسها بنفسها «ليس إلا أقوالاً فارغة، لأنه قال ذلك في السابق عدة مرات، في حين أن إيران واصلت عملية تخصيب اليورانيوم».
أما افتتاحية صحيفة «معاريف»، فكانت أكثر انتقاداً، إذ كتب بن كسبيت أن خطاب نتنياهو في الكونغرس مجرد «اقتناص فرصة» انتخابية داخلية، لأنه يدرك، كما جرى إعلامه من الاستخبارات الإسرائيلية، أن من المشكوك فيه أن يتبلور اتفاق مع إيران؛ فمن أصل ثماني نقاط خلافية، اتفقت الأطراف على حل اثنتين فقط، ويصعب الاعتقاد بأن الأيام المقبلة ستكون كفيلة بحل الخلافات الباقية، وجلّ ما يمكن أن يحصل هو تمديد إضافي للموعد النهائي للمفاوضات.
يضيف بن كسبيت: «نتنياهو مثله مثل البرغوث على ظهر الثور الذي قام بحرث الأرض طوال اليوم، وعند الانتهاء قال البرغوث لأقربائه إني والثور حرثنا الأرض.. هذا ما سيقوله رئيس الحكومة بعد افتراق الأطراف من دون اتفاق حول النووي الإيراني، وسيعلن أن ذلك كله كان بسببه هو».
وتحت عنوان «خطاب بكّائي»، كتب يوسي ميلمان في «معاريف»، وهو يذكر أن الخطاب كان بلاغياً وبإنكليزية ممتازة، لكنه لم يعرض أي بديل على الإدارة الأميركية، إذ إنه كان ينقصه الإلهام والبدائل.
هذا ما أكدته القناة «العبرية الثانية» التي شددت على وجود تناقض بيّن في الخطاب؛ ففي الوقت الذي ركز فيه نتنياهو على أن إيران صمدت أمام العقوبات لأكثر من ثلاثين عاماً، وهي أيضاً رغم هذه العقوبات تحتل أربع عواصم عربية، فإنه في الوقت نفسه يطالب باستمرار العقوبات كبديل من المفاوضات. ونقلت القناة عن دبلوماسيين أميركيين تابعوا الخطاب، أن نتنياهو ذكر إيران 107 مرات في خطابه من دون أن يأتي بجديد، وإذا كانت قضية تجميد النووي لعشر سنوات ليست إلا طرفة عين في عمر الشعوب، كما قال، فإنها أفضل بكثير من خياراته الشخصية، وتحديداً عملية عسكرية ستحقق أقل بكثير مما لا يريده من الأميركيين.
صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من جانبها، ركّزت على ما سمّته اليوم الذي يلي الخطاب، مشيرةً إلى أن كلمة رئيس الحكومة، التي لم تبث في الولايات المتحدة إلا في محطات الكوابل بل اختفت خلال ساعة من إلقائها من مسرح عناوين الإعلام الأميركي، هي أيضاً ستختفي من جدول أعمال أعضاء الكونغرس. وكتب ناحوم برنياع في الصحيفة يقول إن «الثلوج التي ما زالت تغطي أرصفة الشوارع في واشنطن، ستذوب سريعا جداً، لكن خطاب نتنياهو سيذوب أسرع منها».
في الوقت نفسه، ركزت القناة «العاشرة العبرية» على الموقف العربي «المعتدل» من خطاب نتنياهو، وأشار معلقها للشؤون العربية، تسفي يحزقيلي، إلى أن دول الخليج المعتدلة تدعو الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الإصغاء لخطاب نتنياهو في المسألة الإيرانية، لأن هناك أصواتاً في دول الخليج، وفي السعودية تحديداً، تثني على الخطاب، وتؤكد أنه يتحدث بلسان العرب وكل ما لا يستطيعون قوله حول إيران. وأضاف يحزقيلي: «هم مهددون تماماً كما هي إسرائيل مهددة، وإيران لدى العرب والعالم العربي أكثر تهديداً حتى من تنظيم داعش».




نتنياهو يرفض انتقادات أوباما لخطابه

رفض رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتانياهو، انتقادات الرئيس الأميركي باراك أوباما لخطابه أمام الكونغرس، الذي ندد فيه بالاتفاق الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إبرامه مع طهران. وأصرّ بعد وصوله إلى فلسطين المحتلة عائداً من واشنطن، على أنه قدم «بديلاً عملياً سيفرض قيوداً أكثر صرامة على البرنامج النووي الإيراني، ما سيمدّد لسنوات الفترة التي تحتاج إليها لتحقيق اختراق» في برنامجها النووي.
وأضاف نتنياهو: «دعوت أيضاً مجموعة 5+1 (القوى الدولية التي تفاوض إيران) إلى الإصرار على اتفاق يربط رفع العقوبات عن طهران بوقف دعمها للإرهاب في العالم وهجومها على الدول المجاورة ودعواتها إلى تدمير إسرائيل». ووفق وصفه، فإنه تلقى «ردوداً مشجعة من الديموقراطيين والجمهوريين» بعد خطابه، موضحاً «أنهم فهموا أن الاقتراح الحالي سيؤدي إلى اتفاق سيّئ وأن البديل هو اتفاق أفضل».
(أ ف ب)