تحاول السعودية فرض النموذج الليبي في اليمن، عبر تكريس سلطتين سياسيتين وإداريتين بين صنعاء وعدن، بعد نجاح «الثورة الشعبية» التي قادتها «أنصار الله» (الحوثيون)، بإخراج البلاد من هيمنتهما، لرهانهما على انهيار اليمن بعيداً عنهما. هذا هو جوهر ما أعلنه زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، يوم أمس، في أوّل خطابٍ له بعد الأحداث المتسارعة التي شهدتها اليمن أخيراً، وفي مقدمها انتقال الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي من صنعاء إلى عدن لإقامة سلطة بديلة من تلك التي تديرها «أنصار الله» (الحوثيون) في صنعاء.
«السعودية تريد نقل النموذج الليبي إلى اليمن»، أكد الحوثي في كلمته التي أعقبت إعلان السفارة السعودية انتقالها إلى عدن، ترجمةً لاعترافها بشرعية «سلطة عدن»، وتعميقاً للانقسام الذي تحوّل إلى مناطقي منذ يوم السبت الماضي.
نقاط مهمة تطرّق إليها الحوثي يوم أمس، أبرزها اعتباره خطوات هادي الأخيرة جاءت لإرباك المشهد السياسي تماماً مثل خطوة استقالته قبل نحو شهر، التي قصدت تغذية النزاع والأزمة في البلاد.
الرياض تنقل سفارتها
إلى عدن والزنداني
يظهر مصوراً
الحوثي قال في الكلمة التي نقلها تلفزيون «المسيرة» إن هناك عمالة مكشوفة للخارج عند بعض القوى، مثل حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمون)، الذي لم يتوانَ عن استدعاء التدخل الخارجي لفرض خيارات معينة في الداخل، ولمنع تحقيق خيارات أخرى. واتهم زعيم «أنصار الله» الرئيس المستقيل و»فاقد الشرعية»، بـ«الخيانة» والطاعة التامة لأميركا والسعودية، معلقاً على إقفال بعض الدول سفاراتها في صنعاء، بالقول إن السعودية وأميركا اللتين تؤديان الدور الأكبر في اليمن، سحبتا سفيريهما لأن الأخيرين اعتادا سلطات تفوق سلطة الرئيس، واليوم تنقل السعودية سفاراتها إلى عدن، مقرّ هادي، «حيث تستطيع أن تكون الآمر الناهي». وأشار الحوثي إلى أن حزب «الإصلاح» يتحالف مع تنظيم «القاعدة» لمواجهة «الثورة الشعبية»، وخصوصاً في محافظتي مأرب (شرق) وشبوة (جنوب)، مؤكداً أن الحزب يستخدم أساليب ووسائل «غير مشرّفة»، ويسعى إلى إثارة النعرات المذهبية والمناطقية.
وفيما أكد أن اليمن ليس «ولاية أميركية أو سعودية»، أشار إلى رهان هاتين الدولتين على انهيار اليمن على المستويات كافة إذا خرج من هيمنتهما. وقال في هذا السياق إن البدائل كثيرة في العالم، حيث يمكن إقامة علاقات اقتصادية مع دول أخرى «تحترم نفسها وتحترم الشعب اليمني»، لافتاً إلى أن المال السعودي لم يكن يلبي احتياجات المواطن اليمني، بل كانت الرياض «تدفع لقوى معينة»، بينها «القاعدة»، بهدف القتل وإثارة الفتن والمشاكل فقط. وفي ختام كلمته، توعّد الحوثي «المتآمرين» من القوى الداخلية، باستخدام «خطوات حاسمة» في حال استمرار تعنتها، قائلاً «أجّلنا الكثير من الخيارات الحاسمة بغية الوصول إلى حلّ للأزمة». وبعد زيارة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، الرئيس المستقيل في عدن، لإضفاء الشرعية على «سلطة عدن» التي يُراد تكريسها بديلاً من السلطة في صنعاء، نقلت السعودية سفارتها إلى عدن، واستأنف السفير السعودي في اليمن، محمد بن سعيد آل جابر أعماله، يوم أمس، من المدينة الجنوبية، في اعتراف دبلوماسي بهادي وبسلطته الرديفة.
وفي حين وردت أنباء عن اعتزام الدوحة نقل سفارتها إلى عدن أيضاً، تؤكد الخطوات الخليجية اليومية، منذ انتقال هادي إلى عدن وإعلانه التراجع عن الاستقالة واستئناف مهماته كرئيس، أن الخليج ماضٍ في تثبيت الانقسام في اليمن، الذي قد يأخذ أشكالاً أكثر وضوحاً في الأيام المقبلة، من بينها احتمال الفوضى المسلحة. هذه الفرضية قد يعززها ظهور صورة للداعية عبد المجيد الزنداني، يوم أمس للمرة الأولى منذ اختفاء الشيخ السلفي في أيلول الماضي، بعد سيطرة «أنصار الله» على العاصمة صنعاء، وفرار قيادات حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمون)، ما يشير الى نية تعويم خصوم الحوثيين، وخصوصاً من «الإصلاح»، ربما للدفع نحو مواجهةٍ داخلية واسعة.
وقد تداولت مواقع محلية يمنية، صورة للزنداني، الذي كانت «أنصار الله» قد أعلنت عن مكافأة قيمتها 25 ألف دولار لمن يعثر عليه. ويقول محللون إن الصورة «التقطت حديثاً للزنداني، ما يؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة».
ويوم أمس أيضاً، التقى المبعوث الدولي الى اليمن، جمال بن عمر، بهادي في عدن. وقال بن عمر إنه أمل أن تكون عودة هادي لمزاولة مهماته «عاملاً مساعداً على إخراج اليمن من الأزمة». وأشار في مؤتمر صحافي، إلى بحثه مع هادي «الأوضاع الشاذة في اليمن وسبل الخروج منها بطرق سلمية»، مشدداً على أن «الرئيس الهادي متمسك بالحوار لحل الخلافات، وأدان اللجوء الى العنف لتحقيق أغراض سياسية».وبالنسبة إلى نقل الحوار بين السياسيين بشأن الأزمة إلى خارج صنعاء وفقاً لدعوة هادي، لمّح بن عمر إلى أنه قد يتخذ شخصياً خلال أيام قراراً حول المكان الذي يفترض أن ينتقل إليه الحوار الوطني. وقال في هذا السياق «توافقنا على أن تبدي كل الأطراف حسن النية في الحوار» وأن تكون «مرجعيته (الحوار) المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار واتفاقية السلم والشراكة».
(الأخبار، الأناضول)