دمشق | لم تكد تمضي ساعات على إعلان الحكومة السورية نيتها اتخاذ إجراءات جديدة لضبط سعر صرف الليرة، حتى عاود سعر صرف الدولار في السوق السوداء ارتفاعه ليلامس عتبة الـ 254 ليرة. وذلك في خطوة استباقية من المضاربين هدفها بنظر بعض المراقبين قطع الطريق على أي نتائج إيجابية يمكن أن تؤدي إليها الإجراءات الجديدة، وتحديد مستوى جديد لسعر صرف يكون المصرف المركزي مجبراً لاحقاً على الاعتراف به، واعتماده في نشراته الرسمية كما حدث سابقاً.
وبرغم انخفاض سعر صرف الدولار مع بداية الأسبوع الحالي ليستقر عند 240 ليرة، إلا أن ذلك يبقى غير مطمئن بالنظر إلى التقلبات المفاجئة والكثيرة التي تعرض لها سعر الصرف خلال العامين الماضين.
تحدد الحكومة ثلاثة أسباب جوهرية للارتفاع الذي طرأ مؤخراً على سعر صرف الدولار في مواجهة الليرة: ضغط مستوردي المشتقات النفطية على سوق القطع خلال فترة زمنية قصيرة جداً، مشيرة في هذا السياق إلى أنّ قيمة النفط الذي اشتراه القطاع الخاص بلغت نحو 15 مليون دولار، وثانياً المضاربة على سعر صرف الليرة لأسباب بعضها متعلق بسعي المضاربين لتحقيق أرباح كبيرة، وبعضها الآخر ذو أبعاد سياسية متعلقة بالمواقف الإقليمية من الأزمة السورية، أما السبب الثالث، فيذهب إلى حد اتهام الحكومة لبعض المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي بنشر أخبار غير صحيحة عن سعر الصرف وترويجها.
وعلى ذلك، فإن الإجراءات الجديدة للحكومة لن تخرج عن ثلاث خطوات تقليدية جرى تطبيقها سابقاً وهي: ترشيد المستوردات لتخفيف الضغط على السوق السوداء للقطع الأجنبي، واستمرار تدخّل المصرف المركزي بائعاً للقطع الأجنبي، وملاحقة أصحاب المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، وهذا ما جرى فعلاً خلال الأيام القليلة الماضية.
لكن إلى أيّ حد يمكن لترشيد الاستيراد أن يسهم فعلاً في خفض سعر صرف الدولار في السوق المحلية؟
يستبعد الأستاذ في قسم المصارف في جامعة دمشق، الدكتور علي كنعان، أن يكون لترشيد الاستيراد ذلك الدور الحاسم الذي يعوّل عليه في خفض سعر صرف الدولار، إذ إن «معظم المستوردات السورية اليوم هي من المواد الغذائية والسلع القابلة للتصريف في السوق المحلية، فيما مستوردات سلع الكماليات، التي يمكن الاستغناء عنها، قليلة ومحدودة، فالأزمة كانت كفيلة بترشيد الاستيراد تلقائياً»، متسائلاً «فهل سيجري إذاً ترشيد استيراد المواد الغذائية مثلاً؟».
مستوردات سوريا
عام 2014 بلغت قيمتها 6 مليارات دولار


تشير بيانات مديرية الجمارك العامة إلى أن مستوردات سوريا عام 2014 بلغت قيمتها ما يقرب من 6 مليارات دولار وفق سعر الصرف الرسمي حالياً (1300 مليار ليرة سورية)، أي ما معدله يومياً 16.4 مليون دولار، وقدمثّلت المواد الغذائية الكتلة الأكبر والرئيسية فيها، ولا سيما الخضر الطازجة والشاي الأسود والسكر وغيرها.
وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تبدو متفائلة بإمكانية تحقيق هذا الإجراء لنتائج إيجابية، إذ تؤكد أن نسبة انخفاض عدد إجازات الاستيراد الممنوحة وصلت إلى 30% منذ ارتفاع سعر صرف الدولار، دون أن تحدد ماهية السلع التي كانت تشملها هذه الإجازات، مكتفية بالقول إنه «يمكن الاستغناء عنها مبدئياً». ومع أن عضو اتحاد المصدرين السوريين، إياد محمد، يؤيد ترشيد استيراد السلع ذات الطابع الكمالي أو الترفيهي، إلا أنه يربط تطبيق ذلك باتخاذ المصرف المركزي حزمة سياسات وإجراءات أخرى تؤدي في النهاية إلى تثبيت سعر صرف حقيقي، وهذا برأيه سيؤدي إلى زيادة حصيلة الدولة من قطع التصدير، وتالياً سد جزء من احتياجات البلاد.
ويقدم محمد في هذا السياق معادلة شبيهة بسياسة ربط الاستيراد بالتصدير التي كان يعمل بها في الثمانينيات والتسعينيات، وتقوم المعادلة الجديدة على عدم المس نهائياً بالمستوردات المتعلقة بالاحتياجات الأساسية للمواطن ولمستلزمات الإنتاج، فيما تُربط مستوردات السلع غير الضرورية أو التي تصنف على أنها من السلع الترفيهية بما يوفره التصدير من قطع أجنبي.
لكن يتفق الجميع في النهاية على أن الحل يبقى نقدياً بامتياز تدعمه إجراءات اقتصادية متعددة، فالخبير الاقتصادي الدكتور حيان سلمان يختصر الأمر بضرورة تحديد سعر صرف للمستوردات وتثبيته والدفاع عنه من قبل «المركزي»، فيما الدكتور كنعان يحدّد الحل لتحسين سعر صرف الليرة بخطوتين، الأولى «قيام المصارف العامة والخاصة بتمويل المستوردات»، والثانية «استثمار قيمة التحويلات المالية الواردة إلى سوريا، والمقدرة بما بين 7 إلى 8 ملايين دولار، لتمويل المستوردات عوضاً عن بيعها للعموم من قبل شركات ومكاتب الصرافة، ولتجد طريقها لاحقاً إلى تجار السوق السوداء».