يجلس أبو درع في بيته بمدينة الصدر في بغداد تحيط به من كل جانب صور الإمامين علي والحسين. ورغم أنه لم يعد يقاتل بعدما كان بطلاً من أبطال الفصائل المسلحة خلال «الحرب الأهلية العراقية»، فهو لا يزال يحرك مشاعر الرجال الذين يقاتلون تنظيم «داعش».وبعد مرور قرابة عشر سنوات على أسوأ صراع طائفي شهده العراق، أصبحت البلاد تواجه فترة مظلمة جديدة. فقد استولى مقاتلون على مساحات واسعة من البلاد في الشمال والغرب، وأدت المساعي الرامية إلى استرداد هذه الاراضي إلى تفاقم توترات طابعها طائفي وخلفيتها الرئيسية إعادة رسم خريطة تقاسم النفوذ في البلاد.
ويشعر أبو درع، وهو اسمه الحركي، بالفخر الشديد لماضيه الذي يشمل مداهمات عنيفة لأحياء ما زال سكانها يرتعدون لذكر اسمه. وهو يرى نفسه الآن محور ارتكاز لحرب جديدة على «قوى الشر».

في كل يوم يتوافد شبان على بيته لتحيته ويشارك أعوانه في القتال ضد «داعش» تحت رايات فصائل مسلحة مختلفة. وفي مقابلة مع «رويترز»، قال أبو درع: «كيف تشعر إذا ذُبحت أسرتك؟ وكيف تتصرف وأين تذهب؟ هؤلاء الذين قتلوا وارتكبوا جرائم يجب أن يعاقبوا». وأضاف: «إذا لم تكن قادراً على أن تفعل ذلك بنفسك فنحن هنا بدلاً منك. سنرد إليك حقوقك».
وكان مقاتلو تنظيم «داعش» قد قتلوا الآلاف من العراقيين وتسبّبوا في نزوح الكثيرين في الشهور الأخيرة. وفي كثير من الحالات ينصب مقاتلو التنظيم الشراك الخداعية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم قبل أن يرحلوا عنها، ما يعقّد عودة أصحابها إليها. كذلك، اتُّهمت فصائل مقاتلة تعمل في ظل لجان «الحشد الشعبي» التي تديرها الحكومة بـ«القتل والتدمير» عند استعادتها لأراض من أيدي «داعش». ويتهامس البعض في هذه المناطق بأن أبو درع كان موجوداً في هذه المناطق، في ما يمثّل دليلاّ على ما يبثه اسمه في النفوس من رعب.
ودافع أبو درع عن أفعاله في الأحداث التي دارت عامي 2006 و2007 والتي احتجز فيها رجاله من يشتبه في أنهم من الارهابيين وقتلوهم. وقال أبو درع «إذا وجدناهم أبرياء، حتى وإن كانت لهم عقلية تكفيرية من دون أن تتلطخ أيديهم بالدماء، كنا نطلق سراحهم. كنا نحاكم فقط من تلطّخت أيديهم بالدماء ونعاقبهم».
وتردد تعليقاته صدى تعليقات رجال فصائل مسلحة يؤكدون الآن ثقتهم بالمعلومات الاستخبارية التي يستخدمونها في تحديد المتطرفين.
ويظهر أبو درع (57 عاماً) في مناسبات مختلفة في أنحاء العراق، فيصلّي في المراقد الدينية في سامراء في الشمال ويجوب جنوبي البلاد ويتحدث بصوت جهوري. وخلال مشاركته في موكب عبر مدينة الصدر ليتفقد رجال فصائل مسلحة يحملون أسلحة آلية في الصيف الماضي، كان يرتدي أبو درع ملابس سوداء ويحيط به مقاتلون.
غير أن أبو درع الذي ولد باسم اسماعيل حافظ اللامي لا يزال ينتظر دعوة لحمل السلاح من مقتدى الصدر الذي بايعه. ويقول إن الصدر يحتفظ به احتياطياً في حالة شنّ تنظيم «داعش» هجوماً كبيراً على بغداد.
وفي العام الماضي، كان مثل هذا الهجوم محتملاً بعدما سقطت الموصل والرمادي والفلوجة في أيدي «داعش»، غير أن هجوماً مضاداً في منطقة الحزام الزراعي حول العاصمة حال دون تفاقم هذا الخطر.
وقد اكتسب مقتدى الصدر نفوذاً سياسياً قبل عشر سنوات كزعيم متشدد في مدينة النجف المقدسة في جنوبي البلاد خلال الاحتلال الأميركي، وكلمته مسموعة لدى عشرات الآلاف من المقاتلين.
وطفرت دموع أبو درع وهو يتحدث عن ولائه للإمامين علي والحسين، وتحدث عن «صراع الشيعة من أجل البقاء» على مرّ القرون. وقال «منذ 1400 سنة ونحن نعيش في ظل الظلم منذ وفاة الرسول. والآن الشيعة يحكمون. لا بد أن نبدي العدل والأمانة».
وعندما يسأل غرباء في مدينة الصدر عن أبو درع، يقول السكان إنه لم يعد يقيم في المدينة، سعياً لحماية الرجل الذي أصبح رمزاً من صراعات العراق.
في عام 2006 كانت مداهماته العنيفة لأحياء سبباً في وصفه بأنه الرد على أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق الذي كان يذبح الرهائن ويرسل الانتحاريين لتفجير أنفسهم.
وذات مرة نشر أبو درع مقطع فيديو على الانترنت يهدد فيه بقطع رأس نائب الرئيس العراقي السابق، طارق الهاشمي، وهو يقول الآن إنه فخور بهذا المقطع.
وعندما ضاعف الجيش الأميركي أعداد قواته في العراق عام 2007 لم يعد أبو درع يشعر بالأمان في العراق، فاختفى وهو في ذروة شهرته، وقضى عدة سنوات في إيران قبل أن يعود في نهاية الأمر بعد رحيل القوات الأميركية.
(الأخبار، رويترز)