تقدّم تنظيم «الدولة الإسلامية» خطوة جديدة في مواجهته المعلنة مع القاهرة، بنشره أمس تسجيلاً يُظهر قتل مختطفين مصريين. مشهد يطرح تساؤلات حول نوع رد فعل السلطات المصرية المنهمكة بحرب شبيهة في شمال سيناء؛ فقد وزّع «داعش» شريط فيديو يظهر فيه أعضاء في التنظيم وهم يقطعون رؤوس ما لا يقل عن عشرة رجال قدموا على أنهم من الأقباط المصريين الذين خطفوا قبل أشهر في ليبيا.هذه الصور تنهي حالة الترقب التي عاشها المصريون وذوو الضحايا، لكنها في الوقت نفسه تضع السلطة المصرية أمام تحد جديد لمواجهة المخاطر الآتية من حدودها الغربية. وبعيد نشر التسجيل، أكد المتحدث باسم الكنيسة المصرية أن «قتلى فيديو الذبح على أيدي عناصر داعش هم مختطفونا في ليبيا»، فيما أعلنت السلطات الحداد لسبعة أيام.

ومباشرة، سارع الأزهر ومعه دار الإفتاء إلى التنديد بما حدث، والتشديد على أنه «جريمة نكراء... ومرتكبوها استحقوا لعنة الله ومصيرهم جهنم».
سبق «ذبح الأقباط» إشارة شكري إلى صعوبة محاربة «داعش» في دولة ملاصقة

وسبق نشر التسجيل حراك رسمي قاده الرئيس، عبد الفتاح السيسي، الذي التقى رئيس وزرائه إبراهيم محلب، مساء، لبحث الموقف حول المختطفين، ثم خرج السيسي في خطاب مقتضب عقب اجتماع مجلس الدفاع الوطني، قائلاً إننا «لن ننام حتى نأتي بالثأر للمصريين»، مؤكداً أن من حق بلاده اتخاذ الإجراءات المناسبة «للرد على جريمة داعش في الزمان والمكان المناسبين». كما أضاف إنه طلب من الحكومة الاستمرار في قرار منع المصريين من السفر إلى ليبيا وتسهيل عودة الراغبين في الرجوع.
أيضاً، كان لافتاً الاتصال الذي أجراه السيسي مباشرة بالبابا تواضروس الثاني، مؤكداً خلاله متابعته الشخصية لهذا الأمر، وأن جميع الأجهزة المعنية بالدولة تسخر كل جهودها واتصالاتها للوقوف على حقيقة الموقف.
وفي إشارة إلى مدى التوتر الناتج من إعلان سابق لـ«داعش» يوم الخميس الماضي، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات منسوبة لإبراهيم محلب بشأن استعداده لمبادلة المصريين المختطفين في ليبيا بنفسه، فيما أكدت مصادر حكومية أن رئيس الوزراء لم يدل بمثل هذه التصريحات، وأنها كذبة يروجها «داعش» لدفع الحكومة المصرية إلى صراع خارجي، لتأتي التطورات المتسارعة بعد تحذير إصدار مرئي بعنوان «رسالة موقعة بالدماء إلى أمة الصليب».
كما يأتي نشر التسجيل، في وقت ذكرت فيه تقارير إعلامية مصرية أنّ «منفذ السلوم» البري عند الحدود المصرية ــ الليبية شهد حالة من الاستنفار الأمني وإعلان الطوارئ القصوى، عقب قرار القاهرة إجلاء المصريين الراغبين في العودة إلى البلاد. وأكد مصدر أمني «وصول 160 - 200 مصري فقط، قادمين من ليبيا أمس السبت (أول من أمس)»، علماً بأن الجالية المصرية في الجارة ليبيا تقدر بنحو نصف مليون.
واللافت أنه سبق ذلك تأكيد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن بلاده «لن تتخذ أي قرار بالتدخل العسكري في ليبيا، في ظل أيّ ضغوط دون دراسات وتقويم دقيق». وأوضح، في مؤتمر صحافي قبل يومين، أن «القرارات التي تتخذها مصر مبنية على المصلحة العامة، وليست انفعالية ولا تجري تحت أي ضغوط».
وشرح شكري أن طبيعة المواجهة مع «التنظيمات الإرهابية» في ليبيا تختلف عن المواجهة القائمة بين «التحالف الدولي» و«داعش» التي تجري عبر ضربات جوية بعيدة عن أي تهديدات تمسّ مباشرة مواطني الدول المشاركة أو أراضيها، مشيراً إلى أنه نظراً إلى متاخمة الحدود المصرية ــ الليبية، ووجود هذه الأعداد من المصريين (في ليبيا) «لا بد من اتخاذ قرارات ذات طبيعة فيها تحركات إيجابية».
وهكذا يظهر أن كل جهود سفراء مصر في ليبيا وتونس للتواصل مع القبائل الليبية ذات النفوذ والتأثير وبعض العشائر والأطراف السياسية لم تحم المختطفين من مصيرهم، لكن وزير الخارجية أكد وجود تواصل «لتقديم الدعم والحماية لمن يحتاج وإرشاد المصريين إلى توخي الحذر بالبعد عن مناطق الصراع لحماية أنفسهم». كما أوضح أنه أجرى عدداً من الاتصالات المكثفة مع وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا لإحاطتهم بالأمر، والتشاور في كيفية التنسيق على مستوى الأجهزة الأمنية.
(الأخبار، أ ف ب)