عمان | مأزق كبير يواجه عموم الإسلاميين في الأردن، فمن جهة، تعاني جماعة الإخوان المسلمين خطر التشظي بالتزامن مع الحكم على الرجل الثاني في الجماعة بالسجن، ومن جهة أخرى، تزداد ضبابية أسلوب الدولة في تعاطيها مع الحالة السلفية، إذ منعت قياديا كبيرا، أخرجته من السجن، من التصريح، برغم أن الظاهر من إخراجه كان استعماله كـ«أداة ترويجية» لمحاربة فكر «داعش» السلفي بما يناظره.
على جانب الإخوان، تزايد النظرة السلبية إليهم في الشارع الأردني، ترافق معها إصدار محكمة أمن الدولة، بعد تأجيل متكرر، قرارا أمس، بسجن نائب المراقب العام، زكي بني ارشيد، عاما ونصف عام مع الأشغال الشاقة (جرى تخفيفها من أصل ثلاثة)، بتهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية (الإمارات)، في وقت قرر فيه مجلس شورى الجماعة فصل عدد من أعضائها واعتبارهم «أشخاصا لا يمثلونها»، على خلفية محاولتهم «شق الصف»، وذلك بعدما اتهم المفصولون بأنهم تواصلوا مع الحكومة من أجل إنشاء حزب سياسي يحمل اسم الإخوان المسلمين، ووقعوا طلبا بهذا الصدد (راجع العدد ٢٥٠٤ في ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٥).
ستتخذ «الأوقاف» إجراءات بحق أئمة رفضوا صلاة الغائب على الكساسبة

ويؤكد المتحدث باسم جماعة الإخوان، سعود أبو محفوظ، لـ«الأخبار»، أن مجلس الشورى توصل، أول من أمس، إلى قرار باعتبار «قيادات في الجماعة، وحولها، مفصولين حكما في حال ثبوت تقدمهم بطلب ترخيص حزب سياسي دون الرجوع إلى الجهات المعنية في الإخوان، ودون الحاجة لإصدار قرار بذلك». ومن أهم المفصولين المراقب العام الأسبق للجماعة عبد المجيد ذنيبات، ومؤسس مبادرة «زمزم» رحيل غرايبة، والقيادي فيها نبيل الكوفحي.
برغم ذلك، فإن مصادر قيادية داخل «الإخوان»، تحدثت لـ«الأخبار» رافضة الإفصاح عن اسمها، رأت أن هذا «قرار متسرع»، إذ يسيء إلى الجماعة فصل مراقب عام سابق فيها أو حتى قيادات سابقين. وأشارت إلى أن القرار لم يحصل على «الإجماع»، كما أعلن، لكنه لن يطبق مباشرة (قبل أسبوع على الأقل) في انتظار «مبادرة للحل»، وهو ما أشارت إليه كلمة «إذا ثبت» في البيان.
وبشأن الحكم على بني ارشيد، فقد أصدرت الجماعة بيانا يمكن وصفه بغير الهجومي، قائلة فيه إن «الحكم على بني ارشيد دليل على تنكّب النظام الرسمي عن الإصلاح القائم أولاً وقبل كل شيء على حقوق المواطنين وإرادتهم الحرة».
وحاليا، تدور حيرة بين أروقة الإسلاميين، إذ تُظهر بعض التصرفات أن الدولة الأردنية تسعى إلى استقطاب جمع من السلفيين والشيوخ لتعزيز المنطلقات الدينية التي تعمل بناء عليها في مشاركتها في التحالف الدولي ضد «داعش»، بينما تعمل بطرق أخرى على استبعاد السلفيين عن الساحة الإعلامية والدينية.
بداية، أثار الإفراج عن منظّر التيار السلفي عاصم برقاوي، الملقب بأبو محمد المقدسي، بعد حرق الطيار معاذ الكساسبة إشاعة تفيد بأنه خرج من أجل الهجوم «دينيا» على «داعش»، مع أن المقدسي نفسه اعتقل قبل ثلاثة شهور بتهمة الترويج لأفكار متطرفة، وهو ما أكده بإطلالةٍ عبر أحد التلفزيونات المشهورة في المملكة.
بالعودة إلى تصريحات الرجل تظهر حالة تضارب واضحة، إذ قبل اتخاذه الموقف المتشدد ضد «داعش» كان يصف الحرب على التنظيم بأنها «حرب صليبية» على الإسلام، كما هاجم الجيوش العربية المشاركة في الحملة.
أما الغريب، فكان طلب الاستخبارات العامة الأردنية من برقاوي (بصفته منظر التيار السلفي) التمنع عن التصريح لأي وسيلة إعلامية، وفق مصدر في التيار السلفي نفسه، وهو ما يعزز نظرية لدى بعض الإسلاميين تقول إن الدولة تسعى إلى وضع أعضاء التيار التكفيري في إطار مشروعها، لكنها في الظاهر تحاول تبيين أنها ليست على علاقة بهم. برغم ذلك، لا يمكن الفصل بين محاولة الأردن أن تكون قاعدة لنشر الأفكار السلفية وإرسالها عبر الحدود، وبين التأثر بارتدادات هذه الحالة.
التصريح الأكثر جدلا، ويشير إلى تغير في موقف الدولة، كان لوزير الأوقاف والشؤون الدينية، هايل الداود، الذي حذر من الإساءة لعلماء المسلمين (كابن تيمية)، وخاصة ممن يستدل «داعش» على أقوالهم كمرجعية لأعمالهم، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة واتهاما للوزير بأنه «تأييد مبطن» لتنظيم الدولة. فالداود أكد أن «محاربة التكفيريين لا يمكن أن تكون بتكفير العلماء الأجلاء والإساءة لهم».
إلى ذلك، نقلت مصادر محلية أن أئمة في مناطق مثل محافظة معان، جنوبي المملكة، ولواء الرصيفة في محافظة الزرقاء، وبعض مناطق محافظة إربد، يرفضون الامتثال لأوامر وزارة الأوقاف بنبذ التطرف وتوجيه المواطنين إلى ذلك. أمر أشار إليه وزير الأوقاف بالقول، إن وزارته وصلها معلومات أخيرًا برفض بعض الأئمة إقامة صلاة الغائب على الكساسبة، وهو ما سيجبر الوزارة على اتخاذ «إجراءات إرشادية في البداية»، ثم «إجراءات عقابية» بحق الرافضين.