تعرف العالم إليه صباح التاسع عشر من تشرين الأول عام ٢٠٠٥، عندما ترأس المحكمة التي بدأت بمحاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بعد ٤ أيام من الاستفتاء الشعبي على الدستور العراقي الجديد الذي صاغه الحاكم الأميركي بول بريمر، آمراً في تشرين الأول ٢٠٠٣ بتشكيل المحكمة الجنائية العليا.القاضي رزكار محمد أمين، لم يحتمل، والقول له، الضغوط التي تعرّض لها فقدّم استقالته من رئاسة المحكمة بعدما ترأس 7 جلسات، كان آخرها في ١٥ كانون الثاني ٢٠٠٦. هذه الاستقالة أثارت سلسلة من النقاشات في الأوساط الشعبية والسياسية والحقوقية، بعدما اتهمت بعض الأوساط القاضي محمد أمين، بالتساهل مع صدام حسين ومع المتهمين الآخرين، برغم أنه من الكُرد الذين تعرّضوا لشتى أنواع الاضطهاد من قبل صدام ونظامه.
«الأخبار» زارت القاضي رزكار في منزله في السليمانية، وطرحت عليه تساؤلات عن تلك الضغوط، وحيثيات المحاكمات التي أفضت إلى إعدام صدام.

«منذ الساعات الأولى للمحاكمة تعرضت لضغوط مكثفة من الحكومة ومن الأميركيين، الذين طلبوا مني الاستعجال في المحاكمة وإصدار حكم الإعدام بحق صدام حسين وباقي المتهمين» يقول القاضي. ويضيف: «وفي كل مرة كنت أقول لهم إنني قاضٍ ولست سياسياً، وإن المحكمة ستكون في إطار القوانين التي تعني إتاحة الفرصة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، خصوصاً أنهم يحاكمون بعقوبة الإعدام.
- هذا يعني أن المحكمة لم تكن مستقلة منذ البداية؟
بالطبع لم تكن مستقلة، لأنها لم تكن في إطار سلطة القضاء العراقي الوطني. وهي كانت مرتبطة مباشرة بالحكومة، أي بالسلطة التنفيذية. أضف إلى ذلك أنها تشكّلت بأمر من الحاكم الأجنبي بريمر الذي كان له القرار في كل صغير وكبيرة آنذاك.
- ممكن القول إذاً إنك لو بقيت رئيساً للمحكمة لما حكمت بالإعدام بحق صدام حسين والاخرين؟
من حيث المبدأ، أنا ضد عقوبة الإعدام. ولو جرت محاكمة صدام في المحكمة الجنائية الدولية، فلن يكون الإعدام مصيره، لأن الحد الأقصى للعقوبة في تلك المحكمة، هو ٣٠ سنة سجن. كذلك، لو جرت محاكمة صدام وفق القوانين العراقية لما حكم عليه بالإعدام أيضاً. هناك تفاصيل حقوقية وقانونية كثيرة متعلقة بهذا الموضوع. ولكن الأهم، أننا في ذلك الوقت، كنا نتحدث عن عراق ديمقراطي حرّ جديد، ولكن ما دام قضاؤه لم يكن مستقلاً، فكيف لنا أن ننتقل إلى الديمقراطية؟ ثم ما الفرق بيننا وبين قضاء صدام حسين الذي كنت أحاكمه، وأنا حريص على أن أكون مختلفاً عن قضائه هو.
- إذاً لماذا أصدر القاضي الذي خلفك، قراراً بالإعدام؟
إن القاضي الذي جاء بعدي لم يحتمل هو أيضاً الضغوط فاستقال. فأتت الحكومة بقاضٍ ثالث، وهو كردي أيضاً من مدينة حلبجة، فاتخذ قراراً بالإعدام يوم 5 تشرين الثاني ٢٠٠٦. ولعلّ قراره جاء بعواطف انتقامية.
كان موضوع بث المحاكمة مباشرةً على الهواء، كما قيل لنا، دائماً موضع شك.
نعم، إن الصورة كانت تصل إلى المشاهدين بعد ٢٠ دقيقة من التقاطها. حيث كان الأميركيون في غرفة مجاورة من المحكمة يراقبون سير المحاكمة، وما يقوله المتهمون قبل السماح بايصال الصورة إلى شاشات التلفزيون. فإذا تحدّث صدام أو أي من المتهمين عن أي موضوع لا يعجب الأميركيين، كانوا يحذفونه فوراً.
وماذا عن توقيت العقوبة وشكلها وتنفيذها؟
لقد صدّقت الهيئة التنفيذية في المحكمة الجنائية العليا بتاريخ ٢٦ كانون الأول 2006، على قرار المحكمة، ما يعني أن الحكومة كانت ملزمة بتنفيذ عقوبة الإعدام خلال فترة أقصاها شهر. إلا أن الحكومة لم تنتظر حتى نهاية الموعد فأمرت بتنفيذ الحكم في ٣٠ كانون الأول من ذلك العام. وكان ذلك التاريخ هو اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك. مع العلم أن القانون العراقي يمنع إعدام أي شخص في أيام الأعياد الدينية والوطنية. ولكن الحكومة والأميركيين لم يلتزموا ذلك، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً آنذاك في العالم الإسلامي.
القاضي رزكار محمد أمين ما زال يمارس عمله قاضياً في مدينة إربيل في إقليم كردستان العراق، ويعمل مع عدد من رفاقه لإلغاء عقوبة الإعدام من الدستور الكردي، إيماناً منه بضرورة أن يكون العراق عموماً وكردستان خصوصاً بلداً ديمقراطياً، يكون فيه القضاء مستقلاً تماماً ويحترم معايير الديموقراطية وحقوق الانسان. ومن دون أن يخفي رزكار محمد أمين خيبة أمله من الواقع الذي وصل إليه العراق بعد ١٢عاماً من سقوط نظام صدام، خصوصاً الواقع اليوم في ظل وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، ومختلف السيناريوات الخطيرة التي لا تهدد العراق فحسب، بل المنطقة عموماً. ويقول القاضي رزكار إن سقوط دولة القانون وغياب احترام الأنظمة الحاكمة لأبسط المعايير الحقوقية العالمية هو السبب الرئيسي لمجمل أزمات المنطقة ومشاكلها، وتحول هذه الأنظمة إلى أنظمة ديكتاتورية واستبدادية وفاشية لها حقوقها وقوانيها الخاصة.