غزة | واقع المخدرات في قطاع غزة لا يعطي دلالة واضحة على مقولة أن إغلاق الأنفاق بين غزة ومصر له دور كبير في الحدّ من تهريبها، على اعتبار أن متعاطيها لا يزالون يقعون يومياً في قبضة جهاز المكافحة. وبرغم ما أثير محلياً عن توالي تعرض مدمني العقاقير المخدرة لانتكاسات صحية جراء فقدان تلك العقاقير التي كانت تُهرَّب من سيناء إلى غزة، فإن «الضبطيات» شبه اليومية التي يؤديها العناصر الأمنيون تكشف عن تجارة حية تتنفس، مع أنه في مرحلة ما كانت بعض العقاقير البديلة، كالترامادول، المسمى شعبياً بالأترمال، محتكرة في السوق السوداء وتباع بسعر عال (راجع العدد ٢٤٦٩ في ١٣ كانون الأول ٢٠١٤).
أيضاً، برغم ارتفاع أسعار المخدرات بجميع أنواعها إلى جانب «الأترمال»، فإن الأخير، على الأقل، يحظى بفرص التعاطي السابق نفسها، وفق مسؤولين، أكدوا أن جهاز المكافحة في غزة (تابع لحكومة حماس السابقة) يواصل حملاته على المهربين والتجار والمتعاطين، على حداء سواء. إذ سجل «المكافحة» 2381 قضية خلال العام المنصرم، باستثناء شهري تموز وآب (الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة)، مشيراً إلى أن رواج العقاقير المخدرة كان في أوساط الفئة العمرية (23 ـ 32 عاماً) تليها الفئة (15 ـ 22 عاماً).
ويُجمع متخصصون في غزة على أن سبب تعاطي تلك الفئات يعود بالدرجة الأولى إلى الظرف الاقتصادي السيئ مع استمرار الحصار على القطاع منذ تسعة أعوام ومرور ثلاث حروب. و«الأترمال» هو مسكن طبي للحالات الصعبة، ويشترط لإعطائه للمرضى أن يكتبه طبيب، لكن من يتعاطاه يهدف إلى الحصول على سعادة موهومة.
من هؤلاء الشاب محمد سعد (اسم مستعار) الذي فقد منزله في الحرب الأخيرة، ويربط تعاطيه «الترامادول» بأنه يساعد في التخلص من حالة الإحباط المسيطرة عليه مع غياب فرص إعادة إعمار منزلهم وبقائه وأسرته المكونة من ثمانية أفراد مقيمين داخل مراكز الإيواء التابعة لوكالة الغوث (الأونروا).
الشاب، الذي غادر السجن قبل أيام بعد دفع غرامة مالية (ألف شيكل، 250 دولاراً)، يذكر أنه لم يجد خياراً للخروج من واقعه سوى التعاطي. لكن المشكلة أن هذه الحالة وغيرها المئات لا تجد مصحة فطام خاصة تتلقى فيها برنامجاً علاجياً يضمن ألّا تحدث معها انتكاسة مستقبلية، علماً بأن قانون المخدرات المعمول به في الأراضي الفلسطينية نص على «ضرورة إيداع المدمنين في مصحات خاصة لتوفير العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي».
هنا يوضح مسؤول جهاز مكافحة المخدرات في غزة، العقيد سامح السلطان، أن تجارة «الترامادول» رائجة في أوساط الشباب والمراهقين، نافياً أن يكون الحصار وإغلاق الأنفاق قد قضى عليها. ويقول لـ«الأخبار» إن الفئة الأكثر تعاطياً لهذا النوع هي فئة المراهقين (بنسبة 80%)، والدوافع بالنسبة إليهم هي «البحث عن الرجولة»، مضيفاً: «ننظر إليهم بعين الشفقة، لأنهم ضحية سوء تربية أو العيش في وضع اقتصادي صعب».
هذا الواقع لا يعفي الأجهزة الأمنية من مسؤولياتها في غزة، ما دفع السلطان إلى الإقرار برواج المخدرات بأنواعها في غزة حقيقة، مشيراً إلى أن إمكاناتهم تراجعت بسبب الأزمة المالية الممتدة منذ نحو عام والجمود السياسي في دور حكومة «التوافق»، وذكر أن «فقدان الوقود للمركبات الخاصة بالوزارة يعوقهم عن ملاحقة المروجين أو المتعاطين».
في المقابل، يؤكد مسؤول «المكافحة» أن تجارة البانغو (أحد أنواع المخدرات الخطيرة) تكاد تكون قد اندثرت في القطاع، في ضوء الأوضاع المضطربة في سيناء (جنوب غزة)، مرجحاً أن يكون تجار هذا النوع من المخدرات قد تراجعوا عن زراعته في تلك المنطقة بسبب الحملة الأمنية هناك.
رغم ذلك، شدد السلطان على أن «المكافحة» سدد ضربات استباقية إلى تجار المخدرات خلال كانون الثاني الماضي، وتمكن من ضبط 100 ألف حبة مخدرة كانت في طريقها إلى القطاع عبر أحد الأنفاق مع مصر. وعن تجارة «الحشيش»، فإنه وصفها بأنها «منحسرة» ولا تتسع دائرة متعاطيها في ظل الظروف الاقتصادية المتردية، مضيفاً: «الحشيش تتعاطاه فئة محدودة لا تتوسع أفقياً، لأن لجلسات تعاطيها عادات معينة على عكس الترامادول الذي يمكن تناوله في أي مكان دون أن يلفت انتباه أحد».