"العكروت ابن العكروت طلع جاسوس، أعطاني خمس ليرات وحكالي بدي توصلهم لأختي ببيروت، وراح بلغ اليهود عني. كل الليل وانا اهرب وأتخبى ورا الصخر لحد ما طخوني بركبتي"هذا أول ما يذكره جدي حيدر عن كويكات بعد عام النكبة وتحديدا بين سنة 1948 و 1953. كلما همّ بالوقوف والمشي، وضع راحة يده على مكان الإصابة متذكرا المرحلة كلها، وبالتأكيد لا ينسى شتم ذاك العميل.

كانت كويكات القرية التابعة لقضاء مدينة عكا الفلسطينية هادئة وصاخبة في الوقت ذاته. يقول جدي ان الحياة كانت هانئة، وكان معظم سكان القرية من الفلاحين، يمتلكون أراضي مزروعة بالزيتون والتين. "يا سيدي كان عندي حاكورة تين، كنت أحوّش بالنهار هالتينات وأنزل المغرب على الحمار صوب حيفا وأبيعهم هناك. الكل كان يشتغل، بس من وقت للتاني شباب الضيعة، وبالأخص عيلتنا "نصار"، اذا ما صار في مشكل بالضيعة، يختنقوا، يقوموا هني يتخانقوا بين بعض، يبرموا بالطرقات وينادوا انه في مشكل عالساعة كذا و يجيبوا العصايات".
رغب حيدر بالزواج بداية الأربعينيات، فكان عليه ان يعمل بجهد أكبر حتى يجمع من المال ما يكفي مهر العروس وبناء غرفة جديدة. كان هناك معسكرٌ/ مخيم للإنكليز شرق عكا، مليء بالقمصان والفساتين. "أخذني أحمد وعاطف ورحنا نسرق من المعسكر، أول يوم ما قدرناش، هربنا كانوا رح يكمشونا. عاودنا رحنا ثاني يوم، طلعنا منهم ١٦ بالي، ورحت بعتهم بـ110 ليرات فلسطيني. وقطعت حجار -بيجي حوالي الف حجر صوان-و بلشت أعمر. ستك كان مهرها 100 ليرة فلسطيني. سنة الـ 43 تجوزنا، كان الرز يومها مقطوع عن المنطقة. أبوي كان معروف بالضيعة، اجا ثنين خيالة على الفرس، من شباب الضيعة الجدعان، بيعرفهم أبوي، جابوله رز بالخفي. وقت عملنا العرس وذبحنا ثلاث ذبايح، أجوا المعازيم لاقوا في رز، وصاروا يسألوا أبوي، يا بو محمد من وين الرز، ما في رز بالبلد. قالهم الله يسر.
سنة الـ48، كان جيش الإنقاذ بترشيحا، بعدين وصلوا لعنا، احنا كان معنا بواريد إنكليزية قديمة (مارتيني)، حكولنا لازم نطلع من البلد والسلاح الي معنا بعملش اشي قدام اللي مع اليهود. طلعنا من كويكات باتجاه لبنان، وصلنا على عيتا الشعب، معي فرشتين وستك وأمينة اللي كانت عمرها ٧ أشهر. بعيتا كان في ناس مناح، بس في ناس كانوا ما يقبلوش يعطونا جرة مي. بقينا سنتين هناك لحد ما نزلنا على برج البراجنة بالـ50.
بقيت خمس سنين وانا اروح عفلسطين بالليل من عيتا الشعب وارجع على لبنان تهريب، اللي بقيوا بفلسطين كانوا يعطوني فلوس اوصلهم لأهلهم اللي بلبنان، هاد يعطيني عشر ليرات لأخوه وهاد يأمني على ست ليرات لأهله، حسن الابضاي بعتتله أخته خمس ليرات معي، وابو درويش كمان.. هيك ضلت الحالة، من عيتا لقانا لحناوي، هاي خمس ليرات من أختك حلوة.. صاروا يسموني "الأمين" ويحبوني كتير.
الا في نهار، كان يوم جمعة، نزلت على فلسطين، اجا واحد قالي يا ابو أمين الله يوفقك هادول الليرات وصلهم لناس، أخدتهم منه وأنا مش عارف انو عمل هيك قصداً ليروح يفسد علي لليهود، طول الليل وانا اهرب منهم، طخوني بركبتي ووقعت عالارض. حفرت بالرمل ورميت الليرات هناك، كانوا 900 ليرة من الناس و6 ليرات ذهب أمانة من واحد من منطقة البروة. كمشوني واخدوني على مستشفى عكا، بعدين ودوني على سجن بعكا حققوا معي وبعدين على حيفا وانا دموعي نازلة من الوجع، كانت الرصاصة بركبتي وما عدت أقدر امشي. عرفوا الناس اني بسجن اليهود، زعلوا علي كتير بس ما قدروش يعملوا اشي. بعد فترة حكوا لحدا مقتدر كنت أوصله ليرات لأهله، اجى دفعلهم وطلعوني من السجن.
شفتي يا سيدي، راحوا الفلوس والحجار والبلد كلها".