أحمد عزامأعزائي الأطفال: سأروي لكم هذه القصة المعروفة جداً، لأنها القصة التي كلما سنرويها فإنها ستعجّل نومِكم. كان يا ما كان، كانت هناك بلادٌ تسمى بلاد الزيتون. وقد خصها الله بقدسيةٍ في أحجارها وطبيعتها وطيبة أبنائها، ولشدةِ جمال هذه البلاد فقد كانت تثير غيرة البلادِ المجاورة واصبحت مرصداً لمطامع الممالك الكبرى.
ثم أتى يومٌ، كانت الريح فيه هوجاء وتنذرُ بشؤمٍ قادم، جميع من في بلاد الزيتون لم يناموا مرتاحي البال ليلتها. كأنهم شعروا أن هناك شيئاً ما سيحدث... وهذا ما حدث بالفعل!
فقد هاجم قطاع طرقٍ من شتى أصقاعِ الأرض هذه البلاد الآمنة وقاموا بحرقِ بيوتها وقتل أبنائها ولم يرحموا فيها كبيراً ولا صغيراً. هذا ما دفع الناجين من هذه المجازر إلى الهربِ خارج البلاد هائمين على وجوههم. وبعد أن كانت بلاد الزيتون من أجملِ أصقاعِ الأرض، أصبحت بلاداً كئيبة تهجرها الطيور، ومال لونها الأخضر إلى الرمادي ثم جفت أنهارها وبحارها. ولأن هذه البلاد لم تعتد على خاطفيها فقد ألقت لعنتها على أبنائها الفارين منها، حتى يعودوا فيعود معهم الخير وهذا ما أصبحت تتعارف عليهِ العامة بـ"لعنةِ أبناء الزيتون".

سهلَ زعماء البلادِ المجاورة عملية خروج أبناء الزيتون وقد وعدوهم بأنهم سيعودونَ إليها خلال مدةٍ قصيرة. لكن هذه الوعود لم تكن سوى مؤامرةٍ حاكها هؤلاء الزعماء مع قطاع الطرق. ولذلك خرج أبناء الزيتون من ديارهم من دون أن يحملوا معهم شيئاً. هنا قررت لجنة هيبة الممالك العظيمة أن تهتم بشؤون هؤلاء الأبناء الملعونين خشية أن يصْحوا من صدمتهم ويعودوا إلى ديارهم، فالذي يخسر كل شيءٍ دفعةً واحدة لا بد من أن تصبح حياته بلا قيمة أمام استرجاع حريته.
لذلك، قامت لجنة الهيبة هذه بوسمِ كلمةِ ملعون على جباه أبناء بلادِ الزيتون لتمييزهم عن غيرهم وتقديم المساعدات الغذائية لهم. ثم ما لبث أن انتشر أبناء اللعنة مكسورين ومهزومين في بلادِ الجوار تحت خيمٍ ضيقة ومهترئة بعد أن كانوا يعيشون في أجمل الفلوات. وكان أن استمرّت نظرات الشفقة والشماتة من قبل أبناء البلاد المجاورة، فالجميع كان يقول: انظروا إلى جباههم هؤلاء هم أبناء اللعنة!
ولأن البلاد المجاورة كانت تحمل بذور تغييرٍ نتيجة الاتفاقات المبرمة بينها وبين قطاع الطرق، فقد أصبحت قضية أبناء الزيتون مَطيتهم التي سيركبونها حتى آخر نفس.
تمرّ الأيام والوسمة على الجباه أصبحت تأخذ شكلاً واضحاً وفاضحاً. ومهما حاول أبناء الزيتون أن يندمجوا ويحققوا نوعاً من التآلف مع سكان البلاد المجاورة، إلا إن وسمتهم هذه كانت تدلُ عليهم. حتى أن بعض الجباه كانت تنِزُ دماً كلما ازداد التآمر على قضيتهم.
هذا التآمر الذي جعل الكثيرين منهم يموتُون بأيدي جيرانهم الذين تربطهم بهم صلاتٌ دموية.
ثم ظهر الفارس المنتظر! كان يمتطي حصاناً بجناحين ويحمل سيفاً من ضياء، وقد قالت الشائعات أن ضوء السيف كان مخزناً من شمس بلادِ الزيتون على مدى سبعةِ آلاف عام.
المهم... ما إن وقف هذا الفارس أمام جموعِ الأبناء حتى شعّ ضوء سيفه ليمسحَ كل اللعنات الموسومة على الجباه. ثم قال بصوته الذي أسرَ قلبَ كل رجلٍ و شيخٍ وامرأة وطفل:
"فلتعلموا يا أبناء الزيتون أن لعنتكم هذه ستتعمق كلما ابتعدتم من البلاد، وأن سيفيَ هذا هو سيف الباحثين عن الضوء في هذا النفق المظلم الذي أدخلونا به، سيحاول الجميع أن يبقينا تحت عباءته، سيقولون لكم إن بلاد الزيتون بلادنا كي يستمروا في طغيانهم وإلهاء شعوبهم عن كل الذل والقهر وسوف نكون المطية، ونكون الباب الذي سيتفرغ فيه الحقد. وسنكون صانعي الأبطال والطغاة ونحن نموت ونتشرد ألف مرة. لتعلموا يا أبناء الزيتون أن جباهكم الملعونة هذه لن تمسحها سوى زيتونة تعرف أبناءها وترعاهم جيداً في الغيابِ كما في الحضور، فلا تطيلوا غيابكم عن أشجاركم".
كان لوقعِ كلماتِ هذا الفارس أثر النارِ في الهشيم! فقد ألهبَ هممَ أبناء الزيتون وانضووا تحت راية سيفه. هكذا بدأت معركتهم الحقيقية من أجل العودة إلى بلادهم.
وبالفعل حقق أبناء الزيتون ما أدهش العالم كله في ثورتهم هذه، وأصبحوا قابَ قوسينِ أو أدنى من حلم العودة: ها هم يملأون الدنيا بانتصاراتهم والعالم كله يقف ضدهم، لكنه لا يستطيع إلا أن يحترمهم.
من أين أتى كل هذا الإبداع الثوري؟ كيفَ استطاعوا التملصَ من هيمنة طغاة البلادِ المجاورة؟ كيف تحولوا إلى منارة للعالم؟ أصبحت ثورتهم كالمرأة الجميلة والقوية التي تدهش من يراها ويحلمُ بالاقترابِ منها، لذا... كان لا بد من غوايتها لتحويلها إلى مومِس!
هكذا، فتحوا لها الدواوين الملكية والقصور الباهرة وتآمر الجميعِ على إطفاء ضوء سيفها. خصوصاً بعد أن أصبحت شعوب الدول المجاورة تقتدي بشعب الزيتون، ما أخاف الطغاة الذين بذلوا كل ما في وسعهم لإنهاء هذه الحالة الثورية. وللأسف، بالفعل... نجحوا! خصوصاً أنهم وجدوا في أبناء الزيتون من لا يستحي من وصمة "ملعون" على جبينه. فكانت السقطةُ في وهمِ السلطة تستحوذ على حلم الأرض واستطاعت الممالك الكبيرة أن تقضمَ هذا الحلم حتى تحولت بلاد الزيتون إلى جزءٍ أصغر بمئات المرات من حجم البلادِ الحقيقي.
انكسارٌ جديد زادَ من أثرِ وصمة اللعنة على الجباه. عاد الأبناء الملعونون الثائرون إلى البلادِ المجاورة ومع أن أثر ثورتهم بقيَ في عيون الكثيرين، إلا أن الطغاة في البلادِ المجاورة أدركوا مدى خطورتهم. لذلك حاولوا حصرهم ضمن إطارٍ ضيق، وأسقطوا عنهم صفة الثوار إما بتجنيدهم ضمن عسسهم، أو بتصفية أبطالهم الحقيقيين.
وعادت قضية أبناء الزيتون إلى حظيرة هؤلاء، ومرُ الزمان فأوغلت البلاد في نسيانٍ كان يزيدُ من أثر الوصمة في الجبين. نسيانٌ، جعل البعض من أبناء البلاد المجاورة لا يلاحظون حتى هذه الوصمة وكأنهم اعتادوها كما اعتادها أبناؤها الحقيقيون. وهكذا، إلى أن جاء الخراب الكبير.
أعزائي الأطفال: هل نمتم؟... سأكملُ لكم هذه الحكايةَ في الغد. أما الآن؟ فتصبحون على وطن...