غزة |لم تعد تداعيات الخلافات وتأزم الأوضاع السياسية في قطاع غزة تنحصر في قطاع الموظفين العام، بل أصبحت تطال ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ مؤخراً، أقدم معهد «الأمل للأيتام»، الذي يشارك في إدارته عدد من المحسوبين على حركة «حماس»، على إغلاق مؤسسة «شمس لرعاية المعاقين» بقرار قضائي، وإلقاء 820 طفلاً معاقاً و55 موظفاً خارج المؤسسة، علماً بأن «شمس» هي المؤسسة الوحيدة في غزة التي تعتني بهذه الفئة الخاصة. حجة «الأمل» أنها تملك المكان التي كانت فيه «شمس»، ولكن المفارقة أن سلطة الأراضي تملك أوراقاً تثبت أن الأرض حكومية، وهي ملك للدولة.
وأسّس معهد «الأمل للأيتام» عام 1949 بأمر من الحاكم العام المصري، وكان تابعاً لمصر إلى أن استقل بعد ذلك، وقد وهب الحاكم العام المعهد أرضاً تقدر بـ26 دونماً وفق الأوراق الثبوتية لدى سلطة الأراضي. «وهبَهم ولم يملّكهم»، وبهذا فإن المعهد يستطيع الانتفاع بهذه الأرض لكنه لا يستطيع امتلاكها، كما يقول مسؤول في السلطة، لكنه يؤكد أن المعهد يستغل قطعة أرض واحدة كمبنى لإيواء الأيتام وخدمتهم، فيما ينتفع بباقي الأراضي عن طريق تأجيرها لتعود بالأموال عليه أيضاً.
في الوقت الحالي يضم المعهد 119 طفلاً يتيماً، وهذا عدد قليل جداً مقارنة بمساحة الأراضي التي يملكها، وكذلك بعدد الأطفال الأيتام في غزة. فقد خلّفت الحرب الأخيرة وحدها ما بين 1800 و2000 طفل يتيم جديد. في المقابل، يعمل في المعهد ما لا يقل عن 40 موظفاً لخدمة الأيتام.
أما مؤسسة «شمس» لرعاية المعاقين، فتأسست عام 1957، وهي متخصصة بالأطفال المتخلفين عقلياً. في بداية عملها كانت تخدم 6000 طفل معاق وتضم 400 موظف ومدرس، وقد أخذت الأرض والمبنى من معهد «الأمل للأيتام» على سبيل الإعارة للانتفاع منها لمدة عامين فقط، ثم بقيت «شمس» في مكانها وعلى حالها لـ40 عاماً من دون أي مشكلات.
ورداً على سؤال «الأخبار» عن سبب إغلاق مؤسسة «شمس»، أوضح الرئيس التنفيذي لمعهد «الأمل للأيتام»، إياد المصري، أن المعهد يملك الأرض وأعارها لمركز شمس «للانتفاع بها لعامين فقط، وقد قررنا إخراجهم منها وهذا من حقنا، للانتفاع بهذه الأرض والمبنى، فهي من حق الأيتام وقد نسأل عنها».
وعندما وجه السؤال نفسه إلى مدير «شمس»، أرسلان الآغا، أوضح الرجل أن المؤسسة على هذه الأرض منذ 40 عاماً، ولكن عندما بدأ المعهد المطالبة بها منذ خمس سنوات تقريباً، «توجهت إدارة المؤسسة إلى سلطة الأراضي بناءً على أن أصل الأرض يعود إلى الدولة، فوقّعت معهم عقد إيجار مدته 4 سنوات، وبقيت تدفع 4500 دينار سنوياً إلى السلطة، وما إن انتهى العقد، وقبل أن يجدد، كان المعهد قد حصل على قرار قضائي يقضي بطرد المؤسسة خارج المبنى».
وأضاف الآغا لـ«الأخبار»: «أعتقد أن انتماء مجلس الإدارة إلى معهد الأمل السياسي (يقصد حماس)، واحتواء أعضاء مجلس الإدارة على قاض، هو السبب الذي يقف وراء استطاعتهم الحصول على أمر قضائي رغم أن الأرض ملك للدولة وليست لهم». وأشار إلى أن «شمس للمعاقين هي المؤسسة الوحيدة في القطاع التي تخدم المتخلفين عقلياً، وكنا نطبّق برنامجاً أميركياً للأطفال المعاقين من سنّ الولادة إلى المدرسة»، متابعاً: «كنا أول دولة عربية تطبّق هذا البرنامج بعدما ترجمناه إلى العربية وواءمناه مع البيئة الخاصة بنا، واتصل بنا الأمير طلال، رئيس المجلس العربي للطفولة، لتدريب تسع دول عربية على هذا البرنامج ومتابعتها، ابتداءً من مصر ولبنان إلى تونس وغيرها».
وعبر متابعة «الأخبار» للقضية، كشف أحد موظفي معهد «الأمل» القدامى أن مجلس إدارة المعهد، بناءً على «انقلاب وتخطيط»، أصبح أغلبه ذا انتماء سياسي إلى «حماس»، موضحاً أن «امتحان القبول لآخر خمسة موظفين في المعهد كان يحتوي على أسئلة 90 % منها دينية و10 % تربوية فقط، كذلك طلب من المتقدمين فتح القرآن والقراءة منه، إضافة إلى أسماء الخلفاء الراشدين... وهل يصلي أم لا».
وأضاف مع التأكيد على إخفاء اسمه: «بالنسبة إلى موضوع مؤسسة شمس، أراد مجلس الإدارة الجديد أن يعتبره انتصاراً له وأحد إنجازاته... إن كان الموضوع استغلال مبنى شمس بما يخدم الأيتام، فالمبنى مغلق منذ عام، ولم يستغل إلى الآن»، مستدركاً: «إن كان السبب أن المؤسسة لم تكن تدفع الإيجار، فالشؤون الاجتماعية، وهي مؤسسة حكومية (رام الله)، لا تدفع الإيجار حتى الآن، فلمَ لا يخرجونها؟ أم أن الانتماء السياسي له علاقة؟».
وكشف الرجل أن المعهد أجّر حديثاً بناية كبيرة لوزارة العدل بسعر زهيد قدّر بـ20 ألف دولار، فيما أنه لو احتسبت مساحة المبنى على أساس أسعار الإيجارات في قطاع غزة، فإن سعر تأجير المبنى لن يقل عن 100 ألف دولار، والسبب في هذا الهدر أن أحد أعضاء مجلس الإدارة، «لأنه يعمل في هذا المجال»، عمل على تأجيرها بمبلغ زهيد.
من جهة أخرى، كشف رئيس سلطة الأراضي في قطاع غزة، إبراهيم رضوان، أن سلطته عمدت إلى المثول أمام المحكمة لرفع قضية على المعهد، مشيراً إلى أن القضية في المحكمة منذ مدة، ولكن سلطة الأراضي لم تصعد الأمر «لأن الموضوع حساس ومتعلق بأيتام».
ورداً على سؤال «الأخبار» عن سبب امتناع وزارة الشؤون الاجتماعية عن دفع إيجار مبناها، أوضح رضوان أن «الأرض أرض حكومية، أي للدولة بإشراف الحكومة، ووزارة الشؤون الاجتماعية إحدى وزارات الحكومة... فكيف ندفع لمعهد الأمل؟». كذلك ذكر أن دائرته لم تستطع التدخل في الإشكال بين معهد «الأمل» ومؤسسة «شمس للمعاقين»، لأن هناك أمراً قضائياً بإخراج «شمس» «والقضاء مستقل وملزم».