استدرج التغيير الذي أحدثه الملك السعودي سلمان الكثير من الأحاديث عن «جرأته» التي ظهرت من خلال الانقلاب الذي أحدثه في السلطة وإطاحة مفاتيح قرارات كثيرة في الإدارة السعودية. ولكن ما بدأ يتسرّب في إعلام الحليف الأميركي المقرّب جداً من السعودية، كشف عن أن وزير الدفاع الجديد، محمد بن سلمان، هو الذي كان وراء هذا التغيير. وإن كان هذا الأخير في أحد تقارير مجلة «فورين أفيرز» الأميركية هو ثاني أقوى رجل في المملكة، حالياً، إلا أنه في صحيفة «ذي واشنطن بوست» هو «الرأس المدبر» الذي يقف وراء التغيير الذي قام به والده. فقد كشف الكاتب الأميركي، ديفيد إغناطيوس، أمس عن أن «مهندس» التغيير الحكومي السعودي، كان «الابن العدائي وذا التوجه الغربي للملك سلمان، الذي عُيّن وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي».

وبحسب إغناطيوس، فقد أفيد بأن محمد بن سلمان «خطّط بتأنٍّ لهذه التغييرات، قبل أسبوعين على وفاة الملك عبدالله، تحديداً في 23 كانون الثاني، ونفّذها بسرعة»، لمنع أي اعتراضات من ضمن العائلة المالكة.
خطّط محمد بن
سلمان لهذه التغييرات قبل أسبوعين من
وفاة الملك

واستشعر إغناطيوس أن هذه التغييرات تأتي لتعمّق العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، وتجعل هذه الأخيرة شريكاً أمنياً موثوقاً به أكثر من السابق بالنسبة إلى المملكة. فأشار إلى اختيار وزير الداخلية، محمد بن نايف، الحليف المقرّب من الولايات المتحدة، ليكون الثالث على خط الوصول إلى التاج الملكي، بعد الأمير مقرن (69 عاماً)، ذاكراً أن هيئة البيعة هي التي اتخذت هذا القرار، غداة وفاة الملك عبدالله، الأمر الذي يشير إلى إجماع عائلي على أن الجيل الانتقالي المقبل، سيكون بقيادة محمد بن نايف.
وليكون إغناطيوس أكثر تعمّقاً في شرح تأثير التغييرات الأخيرة على العلاقة الأميركية - السعودية، لفت إلى أنه جرت «تقوية سيطرة محمد بن نايف على الاستخبارات السعودية، من خلال طرد الأمير خالد بن بندر، الذي ناضل من أجل تطوير خدمة التجسس السعودية في الخارج». وأوضح أنه «استبدل بخالد بن علي الحميدان، الذي لا ينتمي إلى العائلة المالكة، والذي خدم كنائب لمدير الاستخبارات الداخلية السعودية (النسخة السعودية من الـ«إف بي آي» وفق تعبير إغناطيوس)، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة»، ليخلص إلى أن نتيجة هذا التغيير «ستكون توثيقاً للروابط بين الاستخبارات الداخلية والخارجية، وبالتالي تطوير صلة الجهازين مع واشنطن».
أما التغيير الأبرز، وفق إغناطيوس، فهو دمج وزارتي تعليم في وزارة واحدة كلّف بها، عزام الدخيل، «وهو تكنوقراطي حائز شهادات من الولايات المتحدة وبريطانيا، فقيادة جيدة في التعليم تعد أساسية في مواجهة التطرف بين الشباب السعودي».
وفيما أشار الكاتب الأميركي إلى أن الرسالة من وراء كل ذلك هي، بعبارات بسيطة، القول إن «الدائرة السعودية الداخلية أدركت أن المملكة كانت تساعد على تطوّر المشاكل في الإدارة في ظل القيادة العجوز، وتحركت بطريقة حاسمة وغير سعودية، لإصلاح ذلك»، إلا أنه لفت إلى أن «إبقاء عبد الفتاح الجبير، الذي كان مبعوث الملك عبدالله الموثوق به إلى واشنطن، والذي سيبقى سفيراً، يعد الإشارة الوحيدة على استمرارية»، ما كان قد بناه عبدالله مع الولايات المتحدة.
وبرغم ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست»، كانت مجلة «فورين أفيرز»، من أبرز من تحدث عن أهمية ظهور محمد بن سلمان، الذي وصفته بثاني أقوى رجل بعد محمد بن نايف (55 عاماً). وإن رأت المجلة في تقرير للخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، غريغوري غوز، أن اختيار بن نايف لم يمثل مفاجأة، لكنّها أشارت إلى أن اختيار محمد بن سلمان كان مفاجئاً و«مثيراً للقلق» نظراً إلى صغر سنه وعدم خبرته.
فمحمد بن نايف «أصبح مع الوقت، الرجل الأساسي في إطار تبادل المعلومات الاستخبارية حول الإرهاب مع الولايات المتحدة، كما يُنظر إليه على قدر عالٍ من الأهمية في واشنطن»، وفق غوز. وإضافة إلى كونه ولياً لولي العهد، فقد سمى الملك سلمان، الأمير محمد بن نايف، ليرأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي أنشئ أخيراً، الذي يعدّ واحداً من مجلسين جامعين، هدفهما التنسيق السياسي وإدارة العملية السياسية. أما المجلس الثاني، وهو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، فيرأسه محمد بن سلمان، الذي سلّمه والده «قدراً كبيراً من السلطة»، يضيف الخبير الأميركي.فالأمير الذي لا يتخطى عمره 34 عاماً، «لم يتولَّ أي منصب حكومي سابقاً، ولكنه كان مسؤولاً عن مكتب والده عندما كان سلمان ولياً للعهد»، يضيف غوز مشيراً إلى أنه «شاب لم يُختبر سابقاً ومع ذلك لديه ثلاث وظائف مهمة، فهو وزير للدفاع، يرأس القوات المسلّحة السعودية ويدير واحدة من أضخم الموازنات في المملكة». وهو أيضاً رئيس للديوان الملكي، أي بحسب غوز، «البواب الذي يقرّر من سيلتقي والده، ومن لن يلتقيه».
(الأخبار)