تونس | انتهى ماراتون تشكيل الحكومة التونسية أمس، بإعلان رئيسها الحبيب الصيد تشكيلته الوزارية (الثانية في غضون نحو عشرة أيام)، فكانت أشبه بمزيج «متجانس» من الأحزاب السياسية، يضمن نيلها الثقة في البرلمان بأغلبية مريحة جداً.وبدا أنّ الحكومة المكونة من 27 وزيراً و14 كاتب دولة، فُصِّلت على مقاس مكوناتها، فحصل «نداء تونس» وحلفاؤه (آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر) على نصيب الأسد. وبينما حصلت «حركة النهضة» على عدد محدود من المقاعد، لكن حضورها الحكومي ونفوذها تعززا عبر تضمين التشكيلة الحكومية شخصيات مقربة منها، الأمر الذي عكس توازناً سياسياً من غير المعروف، إن كان الصيد قد ابتكره، أو همس له به. ولم يكن بالإمكان التوصل إلى التشكيلة الحالية من دون توسيع عدد المقاعد مقارنة بالصيغة الأولى التي سبق أن قدمها الصيد في 23 كانون الثاني الماضي والتي رفضتها مجمل الأحزاب السياسية.

وقال الصيد، أمس، إن «التعديلات تمثلت بالخصوص في توسيع تركيبة الحكومة إلى أحزاب أخرى، وتعزيز حضور الوجوه السياسية... والكفاءات».
من المتوقع أن تحصل «الحكومة» على الثقة
البرلمانية بنحو مريح

عموماً، هي «حكومة المصالحة الوطنية»، كما وصفت، على اعتبار أنها ضمت بين صفوفها «الأخوة الأعداء»: «نداء تونس» (86 مقعداً برلمانياً من أصل 217)، وخصمه اللدود «حركة النهضة» (69 مقعداً) الإسلامية. وضمن هذه التشكيلة ترك «النداء» لنفسه إحدى عشرة وزارة (ست شخصيات تنتمي إلى الحزب وخمسة مقربين منه)، إضافة إلى خمسة كتاب دولة. وحصل «النداء» على وزارة الخارجية (الطيب البكوش) وحقيبة الصحة (سعيد العايدي) والسياحة (سلمى اللومي) ووزارة العلاقة بين الحكومة والبرلمان (لزهر العكرمي)، والشؤون الدينية (عثمان البطيخ) والتربية (لناجي جلول).
في المقابل، أسند الحبيب الصيد إلى «النهضة» وزارة يتيمة وثلاث كتابات دولة، إذ تقلّد زياد العذاري منصب وزير التكوين والتشغيل، ونجم الدين الحمروني منصب كاتب دولة لدى وزير الصحة، وبثينة يغلان منصب كاتب الدولة للمالية، وأمال عزوز منصب كاتبة الدولة للاستثمار والتعاون الدولي.
أما «وزارات السيادة»، فقد سميت على رأسها شخصيات قريبة من «النداء» رضيت عنها «حركة النهضة»، ولم تعترض. وعُيِّن فرحات الحرشاني وزيراً للدفاع، ومحمد صالح بن عيسى وزيراً للعدل وناجم الغرسلي وزيراً للداخلية.
أما «آفاق تونس»، فقد حصل على ثلاث وزارات: التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، المرأة وشؤون الأسرة، تكنولوجيا الاتصال، فيما حصل «الاتحاد الوطني الحر» على وزارة واحدة، مبدئياً. وبقيت «الجبهة الشعبية» التي حلت رابعة في الانتخابات الأخيرة، الغائب الأكبر عن الحكومة. وبحسب هذه التشكيلة، من المفترض أن تنال الحكومة الثقة (109 أصوات) بنحو مريح خلال الجسلة البرلمانية التي ستعقد يوم غد الأربعاء، وذلك على اعتبار أن الأحزاب المشاركة، بشكل مباشر، تمتلك مجتمعة 179 مقعداً.إذاً، خرجت تونس من مسار تشكيل الحكومة العسير، لتدخل ابتداءً من يوم غد في حياة سياسية مخالفة لكل ما سبق، إذ ستكون محكومة بالتوافقات وبالتوازنات الدقيقة التي رسمتها تشكيلة الحكومة الحالية.
في الوقت ذاته، فإن السؤال الأساسي المطروح للمرحلة المقبلة هو معرفة من أرسى الصيغة النهائية للحكومة؟ ففيما قد يبدو من الأكيد أن الرئاسة التونسية أخرجت الحكومة بصيغتها الحالية وأنها تمسك بخيوط توازناتها، إلا أن خلافات واضحة كانت قد سادت ضمن فريق المستشارين الرئاسيين خلال الفترة الماضية حيال مسألة إشراك «النهضة» في الحكومة. وتأكيداً لذلك، فقد أقدم رئيس الجمهورية، أمس، على تعيين نائب له (برتبة وزير دولة مكلف بالعلافة مع الحكومة)، هو عميد كلية حقوق سابق ووزير العدل السابق، لزهر القروي، في محاولة واضحة لتهدئة الصراعات ضمن ديوان مستشاري الرئاسة.