لم يعد بإمكان الأطراف الليبية المتنازعة تخطّي حقيقة أن الحوار هو الحلّ الأفضل في وجه ما يحيط بالبلاد من مخاطر، ناتجة من الأساليب المنتهجة لليّ أذرع بعضها بعضا في سبيل الحصول على الحظوة الأكبر في البلاد. هجمات «داعش» الأخيرة في العاصمة طرابلس، نفحت بعضاً من الروح في جلسات الحوار التي تُجرى برعاية أمميّة، ووضعت حداً للمماطلة التي تنتهجها كافة الأطراف في التعاطي مع مختلف الملفات. وكان من أول مفاعيل هذه التطوّرات، موافقة المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، أمس، على المشاركة في الحوار بعدما تقرّر انعقاده في ليبيا، ذلك أنه «لاحظ أن البعثة الأممية، بدأت تأخذ في عين الاعتبار مقترحاته، من بينها شرط نقل الحوار إلى الداخل»، بحسب ما قال النائب الثاني لرئيس المؤتمر الموطني، صالح المخزوم.
ووصف المخزوم، في مؤتمر صحافي، قرار بعثة الأمم المتحدة نقل جلسات الحوار من جنيف إلى داخل ليبيا، بأنه «دليل على أن البعثة الأممية بدأت تظهر حسن نيّة حقيقية في سبيل إنجاح الحوار الوطني».
حفتر أعلن
استعداده للدخول
في تسوية شرط تسوية تسليح الجيش الليبي

ولكنّ التفاصيل المتعلّقة بالمكان والزمان المحدّدين لهذه الجولة الحوارية، محكومة بالظروف الأمنية، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة التي أشارت، في بيان لها، إلى أن المفاوضات المقبلة يمكن أن تُجرى في ليبيا شرط توافر الظروف الأمنية «اللازمة».
وصرحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بأنه «جرى الاتفاق على مبدأ الدعوة إلى المباحثات المقبلة في ليبيا شرط توافر الظروف اللوجستية والأمنية».
ويقود المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، حواراً جرت أولى جولاته في المقر الأممي في جنيف، منتصف كانون الثاني الحالي، تبعتها جولة ثانية، مطلع الأسبوع، بمشاركة ممثّلين عن البرلمان المعترف به دولياً في مدينة طبرق، وحكومة عبد الله الثني المنبثقة عنه، وعدد من معارضيها، لكن المؤتمر الوطني غاب عن تلك الجولات، كما اجتمع في آخر هذه الجولات، ممثلون عن المجالس البلدية والمحلية من عدد من البلدات والمدن الليبية، لمناقشة دعم ما جرى الاتفاق عليه في الجولة الأولى من الحوار.
وكان المؤتمر الوطني قد قرّر، في وقت سابق، استعداده للمشاركة في الحوار السياسي شرط نقله إلى داخل البلاد، لكنه أعلن لاحقاً تراجعه، احتجاجاً على اقتحام وحدات تابعة للواء المتقاعد، خليفة حفتر، فرع المصرف المركزي في مدينة بنغازي (شرق).
وقد أتت هجمات طرابلس الأخيرة، التي شنها «داعش»، والتي خلّفت حوالى 9 قتلى بينهم أجانب، لتحفّز على انتهاج الحوار سبيلاً للخروج من الأزمة، فإضافة إلى الأحوال المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد والخراب والفوضى، برز «داعش» عنصرا جديدا في المعادلة، أثار قلق مختلف الأطراف من فكرة خسارة السباق مع الوقت للخروج بخطة سلام، قبل أن يتمكّن التنظيم من تثبيت موطئ قدم له في الدولة الشمال أفريقيّة التي مزّقتها الحرب.
فـ«داعش» بات المستفيد الأبرز، من الفوضى وغياب القانون في البلد الأفريقي، ليتمكّن بالتالي من إنشاء واحدات تابعة له في مناطق عدّة من ليبيا. وتنامي قوّته يثير مخاوف الأطراف الخارجية (وخصوصاً الغربية منها) كما الداخلية، فليبيا القريبة من أوروبا، تجعل من القارة هدفاً ملائماً للمسلّحين المنتشرين في شمال أفريقيا. وبرغم عدم الشهيّة الغربية، على نحو عام، على العودة إلى ليبيا من البوابة العسكرية، قد تمثل المعادلة الجديدة دافعاً لتغيير الاستراتيجية المتّبعة هناك، وخصوصاً في ظل التصريحات الفرنسية المتتالية بشأن وجوب التدخل عسكرياً في هذا البلد، لكبح جماح الإسلاميين، إلا أن الأولوية بالنسبة إلى الأطراف الخارجية والداخلية، تبقى حالياً الحوار.
فمساء الأربعاء، كان قائد «عملية الكرامة»، خليفة حفتر، قد أعلن أنه مستعد للدخول في تسوية تؤدي إلى استتباب الأمن في ليبيا، شرط تسوية تسليح الجيش الليبي، كما اشترط، في حوار تلفزيوني أجرته معه فضائية «بي بي سي» البريطانية، أن «يرجع خصومه إلى عقولهم، وأن يعرفوا أن الحقيقة هي أن يعيش الشعب الليبي في أمن وحياة طبيعية».
(الأخبار)