«يحب الرئيس الأميركي السعودية إلى درجة أنه قطع رحلته إلى الهند وزياته تاج محل، للتوجه إلى المملكة العربية، وتقديم واجب العزاء بالملك عبدالله»، بل من الممكن الذهاب إلى أبعد من ذلك والقول إنه «يحبّها إلى درجة أنه لم يرسل أحداً إلى فرنسا للمشاركة في مسيرة باريس الشهيرة، لكنّه توجّه على رأس وفد من 30 شخصية أميركية بارزة إلى السعودية، للقاء الملك سلمان».الكلام أعلاه خلاصة توصّل إليها بعض الإعلام الغربي، تعقيباً على زيارة أوباما للسعودية، منذ يومين، وهو جزء من امتعاض وغضب، عبّر عنهما عدد من الكتّاب الذين وجدوا في ذلك فرصة لانتقاد «الازدواجية الأميركية» وأيضاً الماضي والحاضر السعوديين في عدة ملفات، انطلاقاً من حقوق الإنسان وانتهاءً... بحقوق الإنسان.
مايكل توماسكي كتب في موقع «ذي ديلي بيست» أن «رؤية أوباما يترك كل شيء ليركع أمام هؤلاء الرجعيين الذين يرفضون مصافحة زوجته، أمر مثير قليلاً لانقلاب في المعدة (الغثيان)».
«لماذا نحن ملتصقون بالسعودية؟»، عنون توماسكي مقاله الذي نشر أمس، لينطلق فيه من استنكار لعدم مشاركة رئيسه «في مسيرة ضخمة في باريس، تمّ إهداؤها لمبادئ التنوير»، وليغوص بعدها في هذا الاستنكار متحدثاً عن أن أوباما «تدبّر بطريقة ما إعداد جدول مواعيد مناسب لتقديم واجب العزاء (لملك يرأس) نظاماً يعتبر من أبرز المعادين للتنوير».
ولم يكتفِ أوباما بذلك، بل قام بما هو أفظع، بالنسبة إلى توماسكي الذي انتقد فكرة أن «المعجزة كانت كافية لتحدث تغييراً طارئاً على جدول أعمال 30 شخصية مهمة، مثل جايمس بايكر، كوندي رايس، سوزان رايس، جون كيري، نانسي بالوتسي، جون برينان، جون ماكين».
ولم ينسَ الكاتب الأميركي الحديث عن حقوق الإنسان ونقصها أو حتى غيابها في البلد العربي الحليف لبلاده، ولكن في هذه اللحظة بالذات بدا من المناسب ربطها بأوباما نفسه، الذي «لم يتطرّق خلال الزيارة إلى هذا الملف بشكل عام، وإلى قضية المدوّن رائف بدوي بشكل خاص»، انطلاقاً ممّا ارتأى توماسكي التذكير به، وهو أن أوباما كان قد قال للمحلل السياسي، فريد زكاريا، إن هذه النقاشات «تجعل حلفاءنا يشعرون بعدم الارتياح والإحباط».
«إنه نظام مروّع، والكثير من الأميركيين، خصوصاً هؤلاء التابعين لليسار، يقولون إننا يجب ألا نكون على علاقة به»، زاد توماسكي باستنكاره، ليتابع «لكن عالم السياسة الخارجية، خصوصاً في الشرق الأوسط، لا يترك الكثير من الخيارات بناءً على الأخلاقيات».
التقى عدد آخر من الكتّاب والمحللين مع توماسكي في إطار ربط الزيارة الأخيرة للسعودية بعدم الحضور في باريس، فكان الباحث في «مجلس العلاقات الخارجية»، إليوت إبرامز، من هؤلاء، حين رأى أن «وفد أوباما سخيف بكل بساطة».
وفي مقال بعنوان «مبالغة في الرياض» على موقع «ناشيونال ريفيو أونلاين»، تساءل إبرامز عمّا «إذا كان الذي مات الملك السعودي أم وينستون تشرتشل».
بالنسبة إليه، فمن الطبيعي «أن ترسل الولايات المتحدة مندوباً لتقديم التعازي بوفاة الملك السعودي، فنحن حلفاء مقرّبون وكنا كذلك منذ لقاء الرئيس روزفلت مع الملك عبدالعزيز في عام 1945»، ولكن كان بالإمكان إرسال «نائب الرئيس أو وزير الخارجية، وربما إضافة جمهوري أو اثنين، أو حتى إرسال الرئيس نفسه، من أجل الدلالة على أننا نعطي قيمة للعلاقات ونريد استمراريتها وتطورها».
وإذ رأى الكاتب أن «الملك عبدالله كان رجلاً مؤمناً وقام ببعض الإصلاحات»، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من لفت الانتباه إلى أن «حشد المسؤولين الأميركيين يزورون بلداً، حيث النساء مثل رايس وبيلوتسي، قد يسجنّ لقيادتهنّ سيارة».
«كان من الممكن أن يكون الوفد أصغر من ذلك، مؤلفاً من أوباما وكلينتون وبوش (وربما كارتر)»، بحسب إبرامز، فقد «يترك انطباعاً أفضل. ولكن ربما خاف البيت الأبيض من أن يأخذ هؤلاء جزءاً من الأضواء المسلّطة على الرئيس أوباما»، خلص الكاتب الأميركي.
«ذا غارديان» عنونت أحد المقالات بـ«السعودية والغرب: كيف تحوّلت علاقة دافئة إلى سامة؟». وقال كاتب المقال، سيمون تيسدال، إن «من الصعب وصف العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة والسعودية من جهة أخرى، كأنها علاقة حب، رغم عدم غياب عناصر الرومانسية والافتتان الأعمى والإشباع المتبادل بين الطرفين». لكنه رأى أن «موت الملك عبدالله أظهر أن العلاقة تغيّرت، على الأقل من الناحية الغربية»، ليؤكد أنّه في العلاقات المشابهة يقوم أحد الشريكين بما قام به أوباما، أي بترؤس وفد كبير لزيارة السعودية من أجل الحفاظ على ماء وجه العلاقة ولإظهارها كأنها لم تتغيّر على المدى القريب على الأقل، ولكن ذلك يعني بطريقة أو بأخرى أن «العلاقة التي تربط بين الطرفين تتمزّق. في الحقيقة، إن السحر والمعنى قد تبخّرا».
في «ذي واشنطن بوست» قارن إيشان تارور بين زيارة أوباما للهند وزيارته للسعودية. ففي الهند أوباما أكد مشاركة المواطنين والسياسيين قيم الديموقراطية والتعددية، وهناك أيضاً تحدث عن حرية المعتقد والإيمان، إضافة إلى احترام الأقليات الدينية، والحديث عن أهمية حقوق المرأة. وبعد ساعات، حطّ الرئيس الأميركي مع وفد «موقّر» من المسؤولين الأميركيين في السعودية، لتقديم واجب العزاء بالملك عبدالله ولقاء الملك سلمان، «فعبّرت العناوين الدراماتيكية الرئيسية التي أعقبت ذلك عن غضب سعودي من حقيقة أن ميشال أوباما لم تلبس وشاحاً على رأسها، (بحضور الملك)، في وقت لم يكن فيه لدى الوفد الأميركي أي رغبة في مواجهة السعوديين بخصوص سجلاتهم المتعلقة بحقوق الإنسان».