فشلت الولايات المتحدة الأميركية والسعودية في إمرار مخطط تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم على أسس مذهبية ومناطقية، من خلال الدفع باتجاه إدراج مواد قانونية تشرعن هذا التقسيم في مسودة الدستور المقترحة، التي صيغت في الإمارات بإشراف فرنسي، في ما وُصِف بأنه أخطر وثيقة دستورية تمزيقية تستهدف وحدة اليمن.
الخطوة الأميركية ـ السعودية أفشلها «أنصار الله» وحلفاؤهم عبر «ثورة 21 سبتمبر»، عندما رفضوا عرض مسودة الدستور للهيئة الوطنية التي جرى تشكيلها بإشراف السلطة الواقعة تحت الوصاية الخارجية. فكان الردّ الدولي والإقليمي بإرسال المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر، وفور وصوله أعلنت الحكومة استقالتها، وبعدها مباشرةً قدم الرئيس عبد ربه منصور هادي استقالته، وهو الشخص المعروف بعدم اتخاذ أي قرار من دون الرجوع الى الولايات المتحدة الأميركية وسفيرها في صنعاء.
وُصفت مسودة الدستور التي أسقطها الحوثيون بـ«سايكس بيكو» يمنية

استقالة الرئيس والحكومة بعد التوصل إلى اتفاق بتنفيذ النقاط التي طرحها زعيم «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، تأتي في سياق الردّ الخارجي عبر العمل على خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة بين السلطة ورعاتها الأجانب من جهة وبين «أنصار الله» و«ثورة 21 سبتمبر» من جهة أخرى، بهدف إرباك القوى الثورية وجعلها عاجزة عن ملء حالة الفراغ والتعامل مع تداعياته وآثاره على مختلف الصعد، ولا سيّما ما يتعلق منها بحياة الناس العامة، بما يفضي في نهاية المطاف إلى تسريع حالة التشظي والانقسام المترافق مع حملات إعلامية وجهود خارجية وداخلية لتحريك الأوراق الطائفية والمذهبية وتأجيج النعرات المناطقية لتعميق المأزق وتعقيد المشهد بأكثر مما هو عليه.
هنا تتضح حقيقة أهداف رعاة ما يسمى المبادرة الخليجية في اليمن: فإما أن يعود اليمنيون إلى «بيت الطاعة» ويقبعوا مجدداً تحت سقف الوصاية ويصوتوا على تقسيم بلدهم، أو يُشهَر سلاح الفراغ والفوضى في بلادهم.
غير أن فشل السيناريو الأول، أي إمرار التقسيم من خلال مسودة الدستور، لا يعني أن رعاة المبادرة الخليجية وعلى رأسهم أميركا سينجحون في معاقبة اليمن وتقسيمه بالأساليب الأخرى التي بدأت تفصح عنها القنوات الإعلامية التابعة لمشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد، كالجزيرة والعربية وغيرهما، وهي القنوات التي بدأت تتحدث عن المحافظات والأقاليم وانفصالها عن صنعاء وكأنها أمر مفروغ منه ولا مجال لعودة اليمن إلى ما كان عليه قبل استقالة عبد ربه منصور هادي وحكومته في 22 من شهر كانون الثاني 2015.
دائماً ما تأتي المخططات الخارجية عبر أدوات محلية. ومن يتابع أداء بعض القوى السياسية في اليمن والمرتبطين بها وبمراكز القوى الفارة من صنعاء في 21 أيلول الماضي (علي محسن حميد الأحمر)، يكتشف أن تحريك الشعارات المذهبية والمناطقية يلتقي مع مشروع التمزيق، بل هو أبرز أدواته. غير أن التعاطف الشعبي والالتفاف الجماهيري خلف هذه الدعوات يبدو ضعيفاً ولا يرقى إلى مستوى الطموح المطلوب لهذا المخطط، وإن حاولت وسائل الإعلام تضخيمه وإظهاره على غير حقيقته. ولعلّ أهم أسباب تنامي حالة الوعي في أوساط اليمنيين ما مرت به بعض الدول العربية من تجارب مريرة تحت مسميات «الثورة» و«حقوق الأقليات»، التي يشهد العالم عواقبها الوخيمة في سوريا والعراق وحالياً في ليبيا.
جاء التحرك الجماهيري والمسيرات الواسعة التي شهدتها العاصمة صنعاء في يوم الجمعة 23 من الشهر الجاري، وقبل ذلك إيقاف «اللجان الشعبية» مدير مكتب رئيس الجمهورية، الأمين العام لمؤتمر «الحوار الوطني» أحمد بن مبارك، الذي أفضى بدوره إلى إيقاف عملية إمرار الدستور والأقاليم بطريقة رسمية، ليمثل خطوة تاريخية تُحسب للشعب اليمني. والوثائق والتسجيلات التي عُثر عليها مع الأخير، تكشف خطورة ما كان يجري إعداده لليمن على المديين المتوسط والبعيد، لدرجة أن البعض وصف محاولة إمرار مواد التقسيم والأقلمة بـ«سايكس بيكو» يمنية لا تقل خطورتها عن «وعد بلفور» في فلسطين. ولم تكن توجيهات الخارج لعبد ربه منصور هادي بالاستقالة سوى ردّ فعل بعدما فقد الخارج أوراقه وشلت قدرته على إمرار التصورات الغربية الخطيرة على مستقبل هذا البلد.
بناءً عليه، إن ما يشهده اليمن حالياً من حراك شعبي وتساقط لأركان النظام، لا يثير المخاوف على مستقبل اليمن بقدر ما يكشف أن هناك حالة يقظة وحيوية وحضور شعبي لا يسهل معه إمرار أجندات الخارج، فلا قلق من أي تداعيات سياسية ما دام الشعب يحمل من الوعي ما سيتحول خلال المدى المنظور إلى خطوات ثورية تقطع دابر ما بقي من المشاريع العابثة. وتجدر الإشارة هنا، إلى ما ذكره بعض المراقبين تعليقاً على ما يسميه البعض «فراغاً دستورياً» وغياب النظام، مؤكداً أن اليمن ما كان يعيش في ظل اللانظام، بل في ظلّ دولة معادية لشعبها ومتآمرة عليه. دولةٌ كانت تفتعل الأزمات الاقتصادية وتدعم عناصر «القاعدة» بواسطة أجهزتها الاستخبارية لتنفيذ عمليات الاغتيال وتفجير السيارات المفخخة، وهي التي رهنت سيادة البلد للأميركيين بحجة محاربة «القاعدة»، وبناءً عليه، فإنه بقدر ما يسببه غياب هذه السلطة أو استقالة أركانها وسقوطهم من إرباك وغموض رؤية، سيكون في الوقت ذاته سبباً مباشراً لغياب الكثير من الأزمات والمشاكل.