يخاف الطغاة من الورود والأغنيات. رائحة الوردة تحرّض الشعب ضد رائحة الاستبداد النتنة. الأغنية ترطب الروح، وتفتح فضاءً جديداً أوسع من سجن الواقع ـ السائد. الطغاة في مصر، عواجيز (روح وبدن)، يكرهون زهرة يناير، وأغنية يناير التي أقلقتهم، لمدة، قبل أن يقصفوها، بالرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع.
الشابة اليسارية، شيماء الصبَّاغ، التي سافرت من الإسكندرية إلى القاهرة، لتشارك في تظاهرة تذكارية بالورود، إحياءً لذكرى ثورة يناير المغدورة... قُتلت في عز النهار. سقطت الورود من يديها، رصاصة السلطة دقيقة، عندما تصوّب إلى رؤوس الضحايا «أعداء الوطن الذين يثيرون القلاقل، ويكرهون الاستقرار، ويريدون قلب نظام الحكم». غردت شيماء قبل اغتيالها بأيام، على «تويتر»: «البلد دي بقت بتوجع، ومافيهاش دفا... يا رب يكون ترابها براح... وحضن أرضها أوسع من سماها».

الداخلية برأت نفسها، ككل مرة، وقالت إن عناصر محترفة، اخترقت المسيرة وقتلت شيماء. تقرير الطب الشرعي أثبت أن الخرطوش، خرطوش شرطة، ومن كانوا إلى جوار شيماء قالوا إن جندياً أطلق عليها وابلاً من الخرطوش على بعد 8 أمتار. تكره السلطة صوت شباب يناير، الذي يقول إن «الداخلية بلطجية».
سقطت الصباغ في ميدان طلعت حرب. كانت مع رفاقها اليساريين، من حزب التحالف الاشتراكي، ماضين إلى ميدان التحرير، يتمشّون بسلمية، ويغنون، ويهتفون: «عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعية». لا شيء تحقق من أهداف ثورة يناير، بلعها العواجيز، وهضموها.
حتى إلقاء الزهور على ذكرى من مروا من ميدان التحرير (المُبهر في 2011) ممنوع على شيماء ورفاقها المتضايقين من تعليقات المارة المُغيّبين، الذين يتفرجون وينتقدون: (كفاية بقى ثورة، وخراب حرام عليكم). هجمت الشرطة، الملثمة، والعساكر الغفيرة، على الشباب العزّل. هجمت الدولة العميقة على ثورة يناير، وطرحتها أرضاً.
شيماء، سقطت شهيدة، في منتصف الطريق، بين ميدان طلعت حرب وميدان التحرير (أربع دقائق على الأقدام). شأن زهرتها الأم التي سقطت في منتصف الطريق، بين حُلم التغيير، وكابوس الواقع. سقط كثيرون، قبل شيماء، لكن أنصار يناير الغاضبين ـ المُحبطين، وجدوا في الخبر الذي تناقلته كل مصر المحروسة حائط مبكى على ثورتهم، فالثورة لم تصل مثل الصبَّاغ، إلى ميدانها الممنوع. ميدانها المخطوف، والمُغلق بدبابات وأسلاك شائكة. هنا ممنوع الاحتفال بذكرى ثورة يناير الرابعة. وممنوع التظاهر. يخاف الطغاة من تسلل الورود والأغنيات الخطيرة.