حيفا المحتلة | بعد عشرات الجلسات الماراثونية ـ التفاوضية بين الأحزاب العربية في الكنيست الإسرائيلي، تمخض الجبل الحزبي ليعلن، بطريقة احتفالية، نية الأحزاب خوض انتخابات الكنيست بقائمة مشتركة. قوى دينية وأخرى علمانية، من اليمين إلى اليسار مع خليط من الليبراليين، كلهم «وحّدهم» الخطر الداهم المتمثل في قرار إسرائيلي كان قد قضى برفع نسبة عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد، وهو ما مثل من جهة صعوبة للأحزاب في النجاح. من جهة أخرى، هناك خطر دعوات المقاطعة الشعبية المصحوبة بحركة نشطة من المقاطعين.
وقررت أربعة أحزاب عربية خوض الانتخابات الإسرائيلية، وهي الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (تشمل الحزب الشيوعي)، والتجمع الوطني الديموقراطي الذي أسسه عزمي بشارة، والحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، والحركة العربية للتغيير (يغلب عليها الطابع الليبرالي الحديث) ويرأسها النائب أحمد الطيبي، وكلها قررت الدخول بقائمة مشتركة يرأسها المرشح الأول عن قائمة الجبهة، أيمن عودة (ابن مدينة حيفا)، لكن الحزب الوحيد الذي بقي مغردا خارج سرب القائمة الموحدة هو الحزب «الديموقراطي العربي» الذي قرر رئيسه، النائب السابق طلب الصانع، أن يخوض المعركة الانتخابية بقائمة منفردة، متهما نظراءه بأنهم توحدوا بطريقة انتهازية.
وفي قصة القائمة المشتركة، فإنه خلال اجتماع مطول، جرى أول من أمس، انطلق الدخان الأبيض أخيرا ليجري الإعلان عن التوصل إلى القائمة حتى تضمن 17 مقعدا موزعة بالتناوب وفق الأحزاب، مع محاصصات طائفية وجندرية وإقليمية في المقاعد المتأخرة. أما أمس، فعقدت لجنة الوفاق مؤتمرا في مدينة الناصرة أعلنت فيه رسميا انطلاق القائمة المشتركة، وترتيب المقاعد والمحاصصات، وقد حضر إلى جانب اللجنة أعضاء الكنيست العرب الذين عبروا عن تأييدهم للقائمة كوسيلة نضالية.
دول عربية تمول الأحزاب الفلسطينية التي تشارك في انتخابات الكنيست الإسرائيلي

وقال رئيس القائمة، أيمن عودة، لـ«الأخبار»، إن «واجبنا الوطني أن نمنع عودة اليمين إلى سدة الحكم»، مضيفا: «نحن بحاجة إلى مرحلة جديدة تتطلب هذه الوحدة». أما دوف حينين، وهو العضو اليهودي الوحيد في القائمة عن الجبهة والحزب الشيوعي، فطالب بالتعاون لمواجهة اليمين المتطرف.
وبعيدا عن الكلام الاحتفالي بإنجاز الوحدة، ثمة أسباب عديدة للمقاطعة تراوح بين الأصيل والمستجد، ويحضر فيها الجانب العقائدي بقوة. ففي الشارع ثمة من يرى أن «الوحدة كانت حيلة المضطر التي استدعتها الظروف وأصلها الخوف على الكرسي، فصارت الأمور إلى اختلاط حابل اليسار بنابل الإسلاميين»، فضلا عن أن «الأحزاب التي زادت مواقفها اتجاه مصر وسوريا من حجم الهوة بينها، فإنها تضع اليوم يدا مشتركة لتتناسى اصطفاف الأمس من أجل كرسي البرلمان»!
وإذا كانت معظم استطلاعات الرأي قد خلصت إلى أن نسبة مشاركة فلسطينيي الـ48 في الانتخابات لن تتجاوز 50%، كحال المعارك الانتخابية السابقة، فإن أسبابا أوضح ستجعل المشاركة هذه المرة أقل، ومنها ظهور حركة «كفاح» التي جاء معظم جمهورها من التجمع، وهي الآن صاحبة صوت قوي في الدعوة إلى المقاطعة، إضافة إلى «أبناء البلد» التي كانت الأسبق في المقاطعة.
الأسير المحرر ونائب الأمين العام لـ«كفاح»، أيمن حاج يحيى، قال لـ«الأخبار»، إن «هذه الانتخابات تمهد لمرحلة يريدها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للاستمرار في برنامجه الهجومي»، ويكمل: «في المقابل، فإن حزب العمل الإسرائيلي والأحزاب العربية مدعومة من دول الاعتدال العربي التي تسعى إلى وضع إسحاق هرتسوغ (العمل) مكان نتنياهو، ما يمثل طوق نجاة لإسرائيل حتى تخرج من عزلتها».
وتابع حاج يحيى مجددا موقف حركته من الانتخابات: «نرفض دعوة الأحزاب العربية إلى التصويت، ونرفض أن نكون رافدا من روافد حزب العمل... مستمرون في نزع الشرعية عن الاحتلال ومؤسساته التشريعية»، مضيفا: «الأحزاب العربية مدعومة بميزانية رسمية من دول عربية لكننا في كفاح قادرون على خوض المعركة لمنع تزييف إرادة فلسطينيي الـ48».
في المقابل، شن وزير خارجية الاحتلال المعروف بمواقفه المتطرفة، افيغدور ليبرمان، هجوما على الأحزاب العربية بعد إعلان الوحدة، متهما إياها بـ«العمل على القضاء على يهودية الدول... هو الهدف الذي يجمعهم ويوحدهم شيوعيين كانوا أم إسلاميين»، ويرى مراقبون أن هجوم ليبرمان قد يحسب لمصلحة التحشيد لدى هذه القائمة.
في الخلاصة، يظهر أن الأحزاب العربية تخوض الانتخاب كمعركة وجود، وهي تحارب على جبهتين: جبهة الوحدة لتضمن عبور نسبة الحسم والوصول إلى الكنيست، وجبهة محاربة الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات، لكن المقاطعة تبدو جدية هذه الأيام أكثر من قبل، مع أن الوحدة كانت دائما مطلبا لجمهور الناخبين، ولكن حالما تألفت القائمة المشتركة حتى بدا الاستغراب على الجميع، فليس أسهل على السياسي أن يصافح خصما ما من صداقته بد، وهكذا تلاشت الصدوع بين الأحزاب التي فرقتها مقاربات الشأن السوري تحديدا.