صنعاء | يمكن القول إن الحوثيين خاضوا يوم أمس «معركة التقسيم». ما فرضته جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) في الميدان طوال الأشهر الأربعة الماضية، أرادت جهات داخلية وإقليمية انتزاعه منها بواسطة السياسة. إقرار تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم في الدستور الجديد، هو آخر المحطات التي تحاول الجهات نفسها، إرساءها لحرمان الحوثيين الشراكة ولإعادتهم إلى ما قبل أيلول الماضي تاريخ ما يعتزون بكونه «ثورة» انتصرت للإرادة الوطنية اليمنية، في بلدٍ تتآكله القوى الإقليمية بنفوذها وأموالها.
يوم أمس، شهدت صنعاء معركةً خاطفة بين قوات الحرس الرئاسي و«اللجان الشعبية» التابعة لجماعة «أنصار الله»، دارت في محيط دار الرئاسة ووصلت إلى داخلها، لتنتهي بسيطرة «اللجان الشعبية» على القصر الرئاسي، أعلى مؤسسات الدولة، وإسقاط أهم جهازين أمنيين، هما الأمن القومي والأمن السياسي، في وقتٍ كثر فيه الحديث خلال الاشتباكات عن نية الجماعة إطاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أفاد البعض بأنه «في مكان آمن».
المعركة التي لم تدم لأكثر من عشر ساعات، لم تؤدّ إلى خسائر بشرية كبيرة من الطرفين، وفقاً للإعلام المحلي الذي تفاوتت الأنباء فيه بين سقوط قتيل أو قتيلين، غير أن مواطنين التقتهم «الأخبار» في شوارع صنعاء، يعتقدون أن الطرفين ربما كانا يخفيان حقيقة الخسائر البشرية، معتبرين أن عدم سقوط ضحايا «أمر غير منطقي»، في ظلّ ذلك القصف العنيف والنيران التي أيقظت العاصمة مع أولى خيوط الفجر واستمرت إلى ما بعد العصر.
يرجّح البعض أن المعركة
مع اللجان الشعبية لم تكن
بإيعاز من هادي

منذ فجر أمس، انتشرت الدبابات والعربات التابعة للرئاسة، رغم الدعوات التي صدرت عن جهات عدة، على رأسها رئاسة الجمهورية، إلى وقف إطلاق النار، حيث كانت قوات الحماية الرئاسية تقصف بعشوائية، ما أوصل النيران إلى مستشفى السبعين موقعةً إصابات. وبحسب شهود عيان، فإن قوات الحماية الرئاسية، قصفت مناطق عدة في شارع الرسول الأعظم (الستين، قبل أن يعلن الحوثيون تغيير أسماء بعض الشوارع في صنعاء أخيراً)، أما الجيش اليمني فقد لزم الحياد.
سياسيون ودبلوماسيون وبعثات أجنبية في صنعاء، تابعوا تفاصيل المعركة السريعة جنوب العاصمة بصمت، لا يخفي تساؤلات مستقبلية بشأن سيطرة «اللجان الشعبية» على الرئاسة وعلى جهازي الأمن القومي والسياسي. وفيما يرى البعض أن نتائج المعركة الأخيرة أتت على هذا الشكل، بسبب ضعف ما بقي من مؤسسات الدولة، بعدما سقطت أغلبها بعد ثورة 21 أيلول 2014، ترى أطراف أخرى أن نتيجة ما جرى يوم أمس هو إسقاط مشروع الدستور الهادف إلى تقسيم اليمن، ونتيجة طبيعية لرفض دعوات ومناشدات قيادة «أنصار الله» ضرورة تنفيذ اتفاق «السلم والشراكة» الذي يقتضي إعادة النظر في مسألة الأقاليم.
وكانت مصادر في «اللجان الشعبية» قد أكدت في ساعةٍ مبكرة مساء أمس لـ«الأخبار»، أن دار الرئاسة وكلاً من جهاز الأمن القومي والأمن السياسي، «أصبحا تحت سيطرتها»، بعد يوم ساخن عاشته الأحياء الجنوبية للعاصمة صنعاء على وقع الاشتباكات التي اندلعت بينها وبين قوات الحرس الرئاسي. وبحسب المصادر، فإن قوات الحماية الرئاسية كانت قد بدأت في الاعتداء على «اللجان الشعبية» وبقصف الأحياء المجاورة في دار الرئاسة في ساعة مبكرة من صباح أمس، بعدما فشلت المساعي لاحتواء التوتر السياسي بشأن مسودة الدستور التي يعتبرها المؤيدون للثورة «مؤامرة تهدف إلى تقسيم اليمن، الأمر الذي دفع اللجان الشعبية إلى مواجهتها»، بحسب المصدر.
وفي وقتٍ كانت فيه الاشتباكات لا تزال في أوجها، أعلن عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، حمزة الحوثي، أن الرئيس هادي كلّف لجنة برئاسة مستشار رئيس الجمهورية، صالح الصماد، المقرب من الحوثيين.
وقال الحوثي في اتصال هاتفي مع قناة «المسيرة»، أن اللجنة تتكون من الصماد رئيساً وعضوية كل من مهدي الشماط، وقائد القوات الخاصة، ووزيري الدفاع والداخلية، وذلك لتثبيت وقف أطلاق النار ومعالجة اختلالات السلم والشراكة التي كانت السبب في اندلاع الاشتباكات، وهو ما أكده في وقت متأخر وزير الداخلية اللواء جلال الرويشان في بيانه الذي أعلن فيه بدء سريان وقف إطلاق النار في العاصمة وفق عمل اللجنة المشكلة.
وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، قاد مساعي حثيثة لإيقاف الاشتباكات في محيط دار الرئاسة. وأفادت مصادر مقربة من الصبيحي لـ«الأخبار» بأن الوزير حذر هادي من «مغبة جر الجيش إلى مربع الاقتتال داخل صنعاء»، مؤكداً أنه سيقف بوجه أي قرارات قد تعمل على تأجيج الموقف أكثر. وأضافت المصادر أن اللواء الصبيحي كان قد التقى بقيادات سياسية، منها قيادات من «أنصار الله»، ولم يذكر تفاصيل ما توصلت إليه اللقاءات، غير أن إعلان سريان وقف إطلاق النار قد يشير إلى ما جرى التوصل إليه، وهو العودة إلى التفاهمات على مسودة الدستور واتفاق «السلم والشراكة».
رئيس تحرير موقع «نيوز يمن»، الصحافي نبيل الصوفي، يرى أن ما حدث أمس، هو تعبير عن فقدان رئيس الدولة السيطرة حتى على المؤسسات التي تتبعه مباشرة. ويضيف الصوفي في حديثٍ لـ«الأخبار»، أنه فيما يبدي هادي استعداده للحوار من أجل تنفيذ اتفاق «السلم والشراكة، تصرّفت وحدات عسكرية تابعة له بعنف مع اللجان الشعبية، ما أشعل فتيل المواجهات فتفجرت الأحداث»، في إشارةٍ إلى أن ما حدث لم يكن بإيعاز من الرئيس هادي، بل نتيجةً لعدم سيطرته حتى على قوات حمايته الخاصة. وتوقع الصوفي أن يتراجع هادي عن كل الأخظاء التي بدأت منذ حفلة تفويضه، كذلك سيتم توسيع مجلس الشورى، وإصلاح قوام الهيئة، وتأجيل «الأقلمة» إلى حوار جديد، وتنفيذ ما هو ممكن من وثيقة الضمانات بشكل عاجل، بحسب الصوفي.
وفي وقت متأخر من مساء أمس، ذكرت وكالة «الأناضول» نقلاً عن مصدر رئاسي، أن الحوثيين أطلقوا سراح أحمد عوض بن مبارك، مدير مكتب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.