الجزائر | نجاح الجزائر في الهروب من رياح «الربيع العربي» سابقاً، لم يمنع مسؤوليها حالياً من إبداء المخاوف من قدومه متأخراً على نغمة الاحتجاجات التي تتوسع عبر مختلف مناطق جنوب البلاد، وما صرح به الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عمار سعدني، يؤكد الهواجس التي تتملك المسؤولين في الجزائر.وشدد سعدني في اجتماع للمكتب السياسي للحزب على أن الاحتجاجات التي تعرفها عدة ولايات في الجنوب أخذت منعرجاً خطيراً، و«ما يخيفنا أن يصل ربيع عربي إلى الجنوب». مخاوف أخفاها المسؤولون في بداية الاحتجاجات، التي عدّتها السلطات عادية بالنظر إلى مطالب السكان، والتي راوحت بين التنمية وتأمين وظائف، لكن الشروع في أشغال استخراج الغاز الصخري في منطقة عين صالح في أقصى الجنوب، ألهب المواطنين الذين خرجوا منذ أكثر من 10 أيام للشوارع في احتجاجات عارمة، ما زالت متواصلة برغم كل إجراءات التهدئة، وخاصة أن رقعة الغضب توسعت لتشمل مختلف مناطق الجنوب الكبير.

اتساع رقعة الاحتجاجات دفع الحزب الحاكم إلى دق ناقوس الخطر، والتصريح بأن وراء ما يحدث في الجنوب أيادٍ خفية، وليحذر من الانزلاق إلى ما هو أصعب.
تزامن تحرك الجنوب مع عودة المواجهات في منطقة غرداية، بين المالكيين والإباضيين، وهي الصدامات التي تظهر وتختفي منذ ما يزيد من 3 سنوات، وتتعامل معها السلطات بحذر مستعملة كل الوسائل إلا أنها تعود للواجهة في كل مرة، مخلفةً ضحايا وجرحى، ما شجع المعارضة للضغط على السلطة التي تبحث عن مخرج لإنهاء التحرك.
اتهم الحزب الحاكم أيادي خفية بالوقوف خلف ما يحصل جنوباً

وفي محاولة منه لتهدئة الأوضاع، أوضح الوزير الأول عبد المالك سلال، أن الحكومة لم تمنح أي جهة رخصة استغلال الغاز الصخري في الصحراء، وأن ما يجري هناك هي دراسات لمعرفة مخزون الجزائر من هذا المورد الطاقوي. وسبقت تصريح سلال زيارة قام بها وزير الطاقة يوسف يوسفي ومسؤولون محليون إلى المنطقة بهدف تهدئة الأهالي لم تؤتِ ثمارها بل على العكس توسعت الاحتجاجات وقد وصلت العاصمة مع تنظيم أحزاب المعارضة ومواطنين وناشطين من المجتمع المدني وقفة احتجاجية على معاناة سكان الجنوب.
انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وضع الجزائر أمام مخاوف جدية من حقيقة قدوم «ربيع عربي» من الجنوب، وبالنظر إلى تصريحات الأمين العام للحزب الحاكم، حين قال إن «أهمية الجنوب في تاريخنا تعزز تخوفنا»، مستنداً إلى مقولة فرنسا أثناء احتلالها الجزائر «خذوا الاستقلال وأعطونا الصحراء»، متسائلاً في الوقت ذاته إذا كانت هذه الاحتجاجات بريئة أم أنها بفعل أياد خفية تحاول زعزعة أمن واستقرار البلاد، في إشارة واضحة إلى وقوف فرنسا وراء ما يحدث في الجنوب.
«الوضع في الجنوب غير عادي ويحتاج إلى تدخل عاجل من طرف جميع القوى السياسية في البلاد»، هكذا وصف الحزب الحاكم على لسان أمينه ما يحدث، مشيراً إلى أنه أجرى اتصالات هاتفية مع عدة أحزاب يهمها استقرار الجزائر على حد تعبيره، للانتقال إلى ولايات الجنوب لتهدئة الاوضاع. وأوضح سعدي أن «هذه الاحتجاجات مشكل يجب أن يتقاسمه كل الجزائريين، لأن الصحراء فيها موارد كل الجزائريين»، مضيفاً أن «هناك أيضاً تهميشا في حق سكان الجنوب منذ سنوات في عدة مجالات، وأنا ابن المنطقة وأعرف ذلك، وكل المشاريع والمؤسسات مركزة في شمال البلاد برغم أن الجنوب هو مصدر قوت الجزائريين». وتعدّ هذه الدعوات والمناشدات محاولة لمنع الأحزاب السياسية خاصة المعارضة، من استغلال الأوضاع لمصلحتها وتحقيق مطالبها بالتغيير.
لكن المعارضة ترى أن تصريحات الأمين العام للحزب الحاكم تندرج في إطار «تخويف» المواطنين من «الربيع العربي» الذي ادخل ليبيا وسوريا واليمن في فوضى واقتتال داخلي، وهي حيلة دأبت السلطة على توظيفها مع كل تحرك الشارع برأي أحزاب المعارضة.
القيادي في حركة النهضة الإسلامية المعارضة، محمد حديبي، أوضح في حديث لـ «الأخبار» أن «الهدف من تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، استعطاف الرأي العام من جهة، وتخويف الشعب من خطورة مواصلة الاحتجاجات من جهة أخرى».
«الأوضاع في مدن الجنوب، خطيرة جداً»، هكذا وصف رئيس حزب جيل جديد المعارض، جيلالي سفيان الأحديث في الجنوب. وأوضح سفيان، الذي يقوم في الفترة الحالية بزيارات مكثفة إلى المناطق التي تعرف الاحتجاجات، في حديث لـ «الأخبار»، أن «مطالب سكان الجنوب شرعية، لأنهم يطالبون باحترامهم كمواطنين جزائريين»، مشيراً إلى أن «عدم تراجع الحكومة عن قرار استغلال الغاز الصخري سيؤجج الوضع أكثر».
وشدد سفيان على أن «رئيس الجمهورية، الحكومة والسلطة هم أكبر خطر بات يهدد البلاد وليس الشعب الذي يطالب بحقوقه».
من جهتها، سارت أم الخير تهامي، النائبة في البرلمان عن منطقة تمنراست، التي نشبت فيها أولى شرارة الاحتجاجات، عكس تصريحات الحزب الحاكم، وقللت من التخوف من انتقال حمى «الربيع العربي» إلى الجزائر عبر بوابة الجنوب.
وأكدت تهامي أن «خروج السكان إلى الشارع كان بقصد المطالبة بحقوقهم الاجتماعية، وتوقيف مشروع استغلال الغاز الصخري، بعيداً عن الفوضى والعنف»، داعيةً الحكومة إلى «الاستجابة لمطالب المواطنين واحتواء الوضع قبل أن تستغله أطراف أجنبية في تحقيق أهداف غير بريئة، وخاصة في ظل التهميش الكبير الذي يعانيه سكان الجنوب».
وبين إجماع كل التصريحات على خطورة الوضع واعتبار ما جاء على لسان الحزب الحاكم محاولات «تخويف» لإحباط الاحتجاجات «المشروعة» لسكان الجنوب، جاءت عملية إلقاء الجيش الجزائري القبض على 12 إرهابياً في مناطق مختلفة من صحراء الجزائر، كانوا بصدد الإعداد لتنفيذ اعتداءات إرهابية بتواطؤ مع جهات خارجية، لتؤكد وجود تهديدات حقيقية لزعزعة استقرار الجزائر.