دمشق | بعد مناورات عدة، تجلت خلال العامين الأخيرين بتحريك أسعار جميع السلع المدعومة بنسب متفاوتة، لم تجد حكومة وائل الحلقي بُداً من مواجهة السوريين بجوهر مشروعها المسمى «عقلنة الدعم»، والرامي عملياً إلى إلغاء الدعم الحكومي تدريجياً، مقابل تعهدها بتقديم مساعدات مادية للشرائح الاجتماعية الفقيرة وذات الدخل المحدود.
ووفق ما علمته «الأخبار» فإن البداية ستكون مع تحرير سعر مادة المازوت ليصبح متوافقاً مع السعر العالمي أو قريباً منه، ومن ثم سيجرى التوجه لرفع أسعار الخبز والغاز المنزلي وصولاً إلى الكهرباء بشكل تدريجي.
تستند الحكومة في تنفيذ مشروعها «غير الشعبي» إلى سوق مبررات عدة أبرزها ارتفاع فاتورة الدعم إلى مستويات غير مسبوقة، إذ شكلت اعتمادات الدعم نسبة وقدرها 63% من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة للعام الحالي، فضلاً عن تسرّب جزء كبير من هذا الدعم لغير مستحقيه، والمتاجرة بجزء آخر في السوق السوداء، وتهريب جزء ثالث نحو الدول المجاورة، الأمر الذي أدى إلى حدوث أزمات متلاحقة دفع ثمنها المواطن الفقير وصاحب الدخل المحدود. لكن هل الحل يكمن فقط برفع الدعم في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون؟

القرار المحسوم

منذ التطبيق الفاشل لمشروع «إيصال الدعم لمستحقيه»، والذي كان قد تبناه نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية سابقاً عبد الله الدردري، والشكوك الشعبية تحيط بجدية أي مشروع حكومي يطرح لمعالجة تشوهات ملف الدعم، لا سيما عندما يبدأ مثل هذا المشروع برفع أسعار السلع والخدمات المدعومة، ويتجاهل إيصال التعويضات المناسبة لجميع الشرائح الاجتماعية والاقتصادية المستحقة لها.
ولا يخرج عن هذا الإطار مشروع الحكومة الحالية الذي يعاني من نقاط ضعف عديدة يتصدرها عدم اعتماد معايير موضوعية لتحديد الفئات المستحقة للتعويضات، ومدى تناسب هذه التعويضات مع حجم التأثيرات الاقتصادية المتوقعة لرفع الدعم عن بعض السلع، سواء بشكل كامل أو تدريجي.
لقيمة استخدامات توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها تبلغ نحو 512 مليار ليرة

ومع أن الباحث الاقتصادي الدكتور هاني الخوري يسلّم بـ«عدم فعالية استفادة المواطن من الدعم بصورته الحالية»، إلا أنه يربط «بشكل جذري بين أي إجراء يتخذ لرفع الدعم وبين حتمية أن يتزامن ذلك مع تصحيح الأجور وتحديد التعويضات وفق تصور واضح وعادل»، رافضاً الحديث عن مبررات كالحد من ظاهرة التهريب وتوفير المواد في السوق المحلية، وإهمال أو تأجيل مناقشة ملف واقع الأجور، وعدم مواكبتها لمتطلبات الوضع المعيشي.
تحضر مادة المازوت في صدارة أولويات مشروع «عقلنة الدعم»، وذلك بالنظر إلى ارتفاع تكلفة ما تستهلكه من دعم حكومي نتيجة انخفاض سعر الصرف خلال الفترة الماضية، وما تشهده من عمليات فساد وهدر وتهريب، بعضها ناجم عن عجز الحكومة في مكافحتها، إضافة إلى كون المادة تشكل نافذة يمكن أن توصل خزينة الدولة بأقصر مدة زمنية ممكنة لتحقيق إيرادات جيدة. وفي هذا السياق تؤكد معلومات «الأخبار» أن وسطي استهلاك المحافظات والمناطق الآمنة حالياً من مادة المازوت يقدّر بنحو 5 ملايين ليتر يومياً يوفر منها حالياً نحو 3.5 مليون ليتر، فيما تقدر احتياجات البلاد كافة لو توقفت الأزمة بنحو 10 ملايين ليتر يومياً.
ولهذا يتوقع أن تصدر الحكومة خلال الأيام القليلة المقلبة قراراً يقضي بتوحيد سعر مادة مازوت التدفئة ليصبح موازياً لسعر التكلفة المحدد للصناعيين، مقابل توفير المادة في الأسواق بوفرة لتكون متاحة لمن يرغب، وإقرار تعويضات مالية لا تزال آليات إيصالها ومستحقيها قيد البحث والنقاش.
ينظر وزير الصناعة السابق غسان طيارة إلى مشروع رفع الدعم، وتحديداً سعر مادة المازوت، من نافذة التداعيات الاقتصادية اللاحقة، فيشير في حديثه لـ«الأخبار» إلى أنّ «المساس برفع أسعار أي مادة من المشتقات النفطية وخصوصاً المازوت، يعني تحقيق زيادة أسعار جميع المنتجات وفق سلسلة هندسية متزايدة». ومن هنا فهو لا ينصح «الحكومة بالإقدام على مثل هذه الخطوة غير المضمونة، حتى لا تقع مجدداً في الأزمة المعيشية التي يعاني منها المواطن، والفساد الذي أحدثه وجود سعرين للمازوت. فجميع أنواع المشتقات النفطية متوافرة بكميات كافية بالسوق السوداء، التي يحسها ويشاهدها المواطن ولا تراها الحكومة أو تقف عاجزة عن مكافحتها».
وفي موازاة حسم ملف سعر مادة المازوت لجهة تحريره، يلاحظ تصاعد نبرة «الشكوى» الحكومية من ثقل المبالغ التي يستهلكها سنوياً القطاع الكهربائي، في مؤشر واضح على قرب طرح ملف دعم الكهرباء بشكل رسمي هو الآخر لمعالجته وفقاً للآلية التي ستعتمد، لا سيما أن قطاع الطاقة الكهربائية يستحوذ على 43% من إجمالي اعتمادات الدعم المخصصة للعام الحالي، والبالغة قيمتها نحو 983 مليار ليرة (4.9 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي حالياً).
وتكشف البيانات الإحصائية التي حصلت عليها «الأخبار» أن قيمة استخدامات توليد ونقل وتوزيع الكهرباء تبلغ نحو 512 مليار ليرة (2.5 مليار دولار وفق سعر الصرف الحالي) بحسب الأسعار العالمية لمادة الفيول والفواتير المصدقة من قبل وزارة النفط لأسعار الغاز الطبيعي، في حين لم تتعد قيمة المبيعات للمشتركين كافة أكثر من 61 مليار ليرة (305 ملايين دولار) وفقاً للتعرفة المدعومة، ليكون بذلك حجم الدعم الحكومي ما يقرب من 451 مليار ليرة (2.2 مليار دولار)، وهو رقم يقارب وفقاً لوزارة الكهرباء قيمة الوقود المستخدم في محطات توليد الكهرباء.

مخاوف «مجربة»

تتركز مخاوف السوريين من توجه الحكومة لرفع الدعم في نقطتين رئيسيتين، الأولى تتمثل في قصور الإجراءات الحكومية البديلة، وعدم قدرتها على مواكبة التأثيرات الاقتصادية العديدة التي ستنجم عن رفع الدعم، بدليل الفشل سابقاً في السيطرة على ارتفاع الأسعار إثر كل تحريك لسعر مادة المازوت، وعدم حصول الفئات المستحقة على التعويضات المناسبة. أما النقطة الثانية، فتتعلق بالفساد الذي اعترى المشاريع السابقة، وتسبب بمعاناة المواطنين وزيادة الضغوط المعيشية عليهم، فرفع سعر مادة المازوت قبل أشهر قليلة إلى 80 ليرة لم يؤد إلى توفر المادة في الأسواق، وإنما أسهم ذلك في زيادة أسعاره في السوق السوداء لتصل إلى أكثر من 200 ليرة في بعض المناطق. يشترط وزير الصناعة السابق لنجاح الحكومة بتطبيق نظريتها في ظروف الأزمة الحالية العمل على أربعة ملفات مهمة هي: الوفرة في تأمين المحروقات لجميع المواطنين وفق الحاجة الفعلية، والقضاء نهائياً على الفساد في كل ما يتعلق بحياة المواطن ومنع كل أشكال الاحتكار، وتأمين وفرة كافية لاحتياجات المواطن المعاشية وبأسعار مناسبة، والقضاء على جميع أشكال المضاربات وخصوصاً المضاربات بالدولار.




اعتمادات الدعم لعام 2015:
338 مليار ليرة (1.6 مليار دولار) للمشتقات النفطية
413 مليار ليرة (2 مليار دولار) للقطاع الكهربائي
195 مليار (975 مليون دولار) رز وسكر ودقيق تمويني
10 مليارات (50 مليون دولار) لصندوق المعونة الاجتماعية
10 مليارات (50 مليون دولار) لصندوق دعم الإنتاج الزراعي
17.5 مليار (87.5 مليون دولار) لتغطية العجز في مؤسستي الأقطان والحبوب