ذهب إلى الصين «وليْته» عاد بخفّي حنين. قد تكون هذه الطرفة أفضل ما يطلق على حالة التعليم الجامعي في مصر إذا طبقت فكرة تحويله من النظام المجاني إلى نظام المنح. فهناك، في شرق آسيا، اكتشف الوزراء المصريون أن التعليم لا يقدم بصورة مجانية لكل الطلاب، ومن هنا جاءت فكرة مستشار الرئيس المصري ورئيس المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي، طارق شوقي، التي ستتيح للطالب التمتع بحق مجانية التعليم في حال تحقيقه درجات مرتفعة، فيما سيتحمل تكاليف السنة الدراسية إذا رسب.

حتى تكون المعادلة عادلة، فإن الطالب سيتقاسم التكلفة مع الدولة، في حال تحقيقه النجاح بتقدير منخفض. والمبرر الذي حمله شوقي، هو تحقيق فائض مالي للدولة التي تحتاج الى توسيع مواردها، لكنه أكد أن هذا الفائض سيوجه إلى تحسين الخدمات التعليمية للطلاب في المعامل والمدرجات.
من الجيد استرجاع الذاكرة والانتباه إلى أن المتداول عن أن مجانية التعليم في مصر بدأت بعد حركة الضباط الأحرار (تموز 1952) غير دقيق، لأن الشواهد التاريخية تؤكد أن المحروسة دأبت على التعليم المجاني حتى وصول الاحتلال الإنكليزي. فمنذ العصور الإسلامية، كان الطالب يتسلم راتباً منتظماً وطعاماً وشراباً ومكاناً للإقامة طوال دراسته من خزانة الدولة. لكن الحركة الوطنية المصرية المناهضة للاحتلال لجأت إلى إنشاء مدارس أهلية لتقديم الخدمات التعليمية بمصاريف تقلّ كثيراً عن نظيرتها الحكومية الخاضعة للاحتلال آنذاك، على أن ذلك إحدى وسائل مقاومة الاحتلال. حتى في عهد الإنكليز، نجحت وزارة الوفد عام 1944 في إقرار حق التعليم المجاني للمرحلة الابتدائية، تلتها خطوة مماثلة في التعليم الثانوي عام 1950 حينما كان طه حسين وزيراً للمعارف، قبل أن يقرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مجانية التعليم الجامعي في 1962.
القرار الجديد، وفق شوقي، يصنف الطلاب طبقاً لجدول معياره الرئيسي تقدير الطالب، فالذي يحرز نسبة أعلى من 70% سيحصل على المنحة كاملة وتتحمل الدولة مصاريفه، لكن من تكون نسبته ما بين 60% إلى 70%، فإنه يدفع نسبة من المصاريف. أما من يكون ما بين 50-60%، فسيدفع نسبة أعلى، وأخيراً من يحصل على أقل من 50%، سيتحمل مصاريف دراسته كاملة، كما يمكن أن تختلف النسب من كلية إلى أخرى.
وتوضح الإحصاءات أن نسب الرسوب الجامعي الكليّة تحتل جامعة الأزهر بفروعها المرتبة الأولى فيها، تليها جامعتا القاهرة وعين شمس، وتتراوح ما بين 10% إلى 15% من جملة ما يربو على مليوني طالب جامعي. وبلغة الأموال، فإن تطبيق القرار يوفر للدولة في العام الواحد مبلغاً يزيد على 500 مليون جنيه (1 دولار = 7.15 جنيهات). كذلك من الطريف الالتفات إلى أن الفكرة الجديدة لم تحدد بعد مصير من يرسب في مادة أو اثنتين، وهل سيختلف وضعه عمن يرسب في جميع المواد؟
يعلق رئيس مركز الحق في التعليم، عبد الحفيظ طايل، على هذه الخطط بالقول إن إقرار نظام جديد هو «استكمال لخصخصة التعليم في مصر وفقاً لروشتة البنك الدولي لإصلاح التعليم، بالتوازي مع صعود الليبرالية الجديدة، وهي الفكرة القائمة أساساً على خصخصة التعليم الجامعي وتقليل الإنفاق الحكومي عليه لمصلحة ضخ فارق النفقات في التعليم قبل الجامعي، وذلك من أجل معالجة نسب الأمية المتزايدة».
ويقول طايل لـ«الأخبار»، إن «التجربة أثبتت أن هذه الإجراءات تؤثر في التعليم ما قبل الجامعي، لأنها تلغي الطموح التعليمي عند الفقراء وتقلل الحافز لاستكمال الدراسة، كما تنشر ثقافة عند المجتمع والحكومة بتسليع التعليم، وليس اعتباره حقاً من حقوق الإنسان، وخاصة أن الحالة المصرية في التعليم الخاص هي ربحية بطريقة مبالغ فيها... مصر بلد فقير يعتمد أساساً على التعليم، وهذا ما دفع البنك الدولي إلى أن يراجع هذه الحملات».
ويحذّر مراقبون آخرون من أنه كلما قلت سنوات التعليم، فتح المجال لدخول الأفكار المتطرفة ورفض الآخر، في وقت يعمل فيه «الأزهر»، بتعليمات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، على ما سمّي «الثورة الدينية». وكذلك لا يغيب عن الذهن مخاطر زيادة معدلات الفقر، وهو ما يؤدي إلى العنف وتقويض الأمن المجتعمي. ويحمل المصريون ذكرى سيئة تجاه مقترح مستشار السيسي، إذ إنه يبدو استكمالا لخطة بدأت في مصر عام 2005 عرفت بالتعليم الموازي ـ المفتوح، وقادها وزير التعليم العالي، هاني هلال، آنذاك، وهو أحد أعضاء مجموعة جمال مبارك الذي تبنى التوجه نحو المزيد من ترشيد النفقات في التعليم الجامعي عبر زيادة الخصخصة.