تجري القاهرة اتصالات مكثفة مع الرباط في الأيام الأخيرة لاحتواء غضب مغربي «شبه معلن» ومفاجئ اتجاه مصر، إذ بث التلفزيون الرسمي المغربي، قبل أيام، تقريرا وصف فيه ما حدث بعد «30 يونيو» بالانقلاب، برغم أن وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، كان قد شارك في تهنئة عبدالفتاح السيسي بفوزه في الانتخابات الرئاسية، كما ناقش مزوار، في تموز الماضي، سبل تدعيم علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين، ومضاعفة حجم التبادل التجاري الذي لا يتجاوز 600 مليون دولار.
ما يقال في الساحة السياسية أن الغضب المغربي سببه زيارة نظمتها الاستخبارات الجزائرية، عبر ما يسمى اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي (صحراء المغرب)، وذلك لوفد ضم ممثلين من معظم الصحف المصرية. وكان هدف الزيارة الاطلاع على مخيمات تندوف التي تسعى فيها جبهة البوليساريو إلى تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية، وهو أمر بالغ الحساسية بالنسبة إلى الرباط، وخاصة مع تزايد التقارب المصري ـ الجزائري عبر اتفاقات الغاز، والزيارة البارزة للسيسي إلى الجزائر. كل ذلك مهد لافتراض مغربي مفاده بأن القاهرة تقترب من الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، وهو ما نفاه دبلوماسيون مصريون.
القاهرة قررت ألا تصعد بعد اللهجة الإعلامية المغربية غير المعتادة

مصدر في الخارجية المصرية تحدث لـ«الأخبار» عن «ثقة القاهرة في دعم الرباط للنظام المصري عبر المحافل الدولية، بغض النظر عما ورد في التلفزيون المغربي»، مشيراً إلى اتصالات عاجلة بين السفير المصري لدى الرباط، ومزوار، جرى على أساسها ترتيب لقاء بين وزيري الخارجية المصري والمغربي موعده المبدئي في الثامن عشر من الشهر الجاري.
وأكد المصدر أن القاهرة قررت ألا تصعد بعد اللهجة الإعلامية المغربية غير المعتادة من أجل فهم أبعاد الأزمة، نافيا في الوقت نفسه أن تكون مغادرة السفير المغربي مصر، إلى بلاده، في سياق التصعيد، «بل ذهب من أجل الترتيب لزيارة شكري».
أما عن الفيديو المنسوب لأحد ضباط الجيش المصري وفيه يحرض سكان تندوف على التحرك ضد الرباط، مع وعد مصري بالمساندة، فنفى المصدر كونه صحيحا، إذ أكد أنه «لم يسافر أي قادة عسكريين مصريين إلى الجزائر خلال المدة الماضية، كما أنه لا داعي إلى التدخل المصري بشأن يسبب حرجا للدولة المصرية، وهي تنتهج سياسة خارجية تعتمد على ترك شؤون الدول الأخرى». ولم يكن المقطع المصور المشكلة الوحيدة، إذ إن المعالجة الإعلامية المصرية لقضية مخيمات تندوف التي نشرت في الصحف الخاصة قبل شهور زادت المأزق، لكن الدولة ترى أنها ليست مسؤولة عن كل ما ينشر في الإعلام، علما بأن الخارجية نفت أن تكون زيارة الوفد الصحافي قد جرى التنسيق لها رسميا. وبشأن الرد على الانتقادات المغربية للصحف المصرية، كانت الإجابة الوحيدة أن «الدستور المصري يكفل حرية الرأي».
وإن كان صعبا فصل التقارب مع الجزائر عن توتير الأجواء، فلم يفت معارضي الحكم في مصر استغلال هذه الأزمة. من هنا ترى جهات مصرية أن هناك تحركات إخوانية من حزب «العدالة والتنمية» المغربي، بالتنسيق مع جماعة الإخوان المحظورة في مصر، لمحاولة فتح جبهة جديدة، لكن ما ينافي ذلك أن لا سيطرة لإخوان المغرب على الإعلام الرسمي في الرباط.
يستغل أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، الأزمة الأخيرة، ليشدد على أن تعقد العلاقات المغربية ـ الجزائرية يفرض على مصر التوازن في اللقاءات الثنائية مع البلدين وزيادة مستوى التعاون بالدرجة نفسها.
ونبه فهمي، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن «التيارات الإسلامية المسيطرة بقوة في الشارع تسعى إلى اللعب على وتر الشحن الشعبي من قضايا قديمة».
أحمد...