واجهتان جديدتان للمعارضة السورية اختيرتا خلال اليومين الماضيين في تركيا، يفترض بهما أن يكمل بعضهما البعض، وقد جاءتا أشبه بـ«قيادة متعددة الجنسيات». الأولى، وهي الأشهر تمثلت باختيار «هيئة رئاسية جديدة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في إسطنبول. أعضاء «الهيئة العامة»، وكما بات معروفاً، انتخبوا لمنصب «رئيس الائتلاف» خالد خوجا ذا الأصول التركمانية، وحامل الجنسية التركية. فيما يحمل هشام مروة، أحد نائبي «الرئيس»، الجنسية الكندية. الانتخابات ذاتها أفضت أيضاً إلى فوز نغم الغادري بمنصب «نائب الرئيس»، كذلك انتُخب يحيى مكتبي «أميناً عاماً للائتلاف».
قبلها بساعات، وعلى بُعد نحو 1000 كيلومتر، اختتم في مدينة الريحانية «مؤتمر التحالف الوطني لقوى الثورة السورية» بانتخاب «رئيس للمؤتمر» يحمل الجنسية الأميركية، هو دياب محمد سروجي، إضافة إلى «أمين عام» يحمل الجنسية الأوسترالية، هو لؤي عبد الباقي.
وفيما منحت «الهيئة العامة للائتلاف» الثقة لـ«الحكومة المؤقتة»، قال «رئيس التحالف الوطني» في تصريحات صحفية إن «التحالف سيشكّل حكومة ظل تراقب عمل حكومة طعمة وقد تكون بديلة لها في المستقبل». وبمعنى آخر، سيشكل «التحالف» الجديد «حكومة ظل» لـ«حكومة الائتلاف» الذي شارك ممثلون عنه في «مؤتمر التحالف»، ونافس أحدهم على رئاسته. قواسم عدّة تجمع بين الواجهتين، فعلاوة على التنوع في الجنسيات، والاحتضان التركي لكليهما، أطلق الفائزون في انتخاباتهما تصريحات تؤكد «أصالة الثورة». خوجا حرص على «ضرورة التركيز على الداخل السوري»، فيما سبقه دياب بالتشديد على ضرورة «العمل بعيداً عن الإملاءات الخارجية». وغنيّ عن القول أن التطورات الأخيرة تُمثل عودة قوية للهيمنة التركية على «الائتلاف»، من دون أن يعني ذلك بالضرورة تراجعاً للنفوذ السعودي أو القطري، بل يبدو الأمر أشبه بتفويض من الطرفين الأخيرين للشريك التركي بإمساك الزمام، في لعبة المداورة الثلاثيّة. احتمالٌ يُعززه وقوف «الرئيس الأسبق للائتلاف» أحمد الجربا وكتلته (المحسوبة على السعوديين) مع خوجا، ضدّ منافسه «الأمين العام السابق للائتلاف» نصر الحريري. كلمة السر الأبرز في رجحان كفة خوجا تتمثل في موقفه من التفاوض مع مؤسسات الدولة السورية، إذ يُعتبر محسوباً على «جناح الصقور» داخل «الائتلاف». ومنذ مؤتمر «جنيف 2» رأى خوجا أن «الائتلاف يمر بمراحل انقلابية في مستوى التفكير الاستراتيجي السياسي والعسكري»، وذلك لمجرد القبول بمبدأ التفاوض، الأمر الذي بدا خوجا متمسكاً به في التصريحات التي أدلى بها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس، حيث أكد السعي إلى «مرحلة تحقق مطالب الثورة دون أن يكون لـ(الرئيس بشار) الأسد ودائرته الأمنية أي دور مستقبلي في سوريا»، كما إلى «إعادة تأهيل أو تشكيل هيئة الأركان ووزارة الدفاع». كلامٌ يبدو من اللافت تزامنه مع ما نقلته وكالة الأناضول التركية عن أن «تركيا بصدد بصدد توقيع مذكرة تفاهم حول تدريب وتجهيز المعارضة السورية، وفق برنامج تدريب يضم 15 ألف مقاتل، خلال الثلاث سنوات القادمة». انتخاب خوجا حمل أيضاً إجابات حاسمة حول موقف «الائتلاف» من مؤتمر موسكو العتيد، فـ«الائتلاف غير معني بالمؤتمر»، وفقاً لرئيسه. ولا يُتوقع أن يؤثر هذا الموقف على مؤتمر موسكو جوهريّاً، فالدعوة الروسية في الأساس كانت قد أكدت تعاملها مع أشخاص، لا كيانات.

«رئيس» مثير للجدل

يعد خوجا من مؤسسي «المجلس الوطني السوري»، وواحداً من أصحاب الحظوة عند جماعة الإخوان المسلمين. المراقب العام للجماعة محمد رياض الشقفة كان قد عبّر عن ذلك بوضوح إبّان ترشيح خوجا لمنصب «ممثل الائتلاف في تركيا». الشقفة قال حينها «لو استشاروني في ترشيح سفير للائتلاف في تركيا لاخترت الدكتور خوجا». كذلك يُعتبر من أوائل المعارضين السوريين الذين طلبوا «تدخل إسرائيل لإسقاط النظام السوري». ويبدو خوجا معجباً بإنجازات «جبهة النصرة»، و«حركة أحرار الشام» حيث «غرّد» محتفياً بها مرات عدة. وتبدو مواقف نائبه هشام مروة منسجمة معه، حيث سبق للأخير أن رثى قادة «أحرار الشام» السابقين، معتبراً إياهم «كوكبة من خيرة قادة الثورة أصحاب الفكر المعتدل».