فاجعة أخرى أمسى عليها أهالي قطاع غزة في ظلامهم المستمر للسنة التاسعة على التوالي. طفلان بعمر الزهور قضيا جراء حريق في منزلهما في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة أول من أمس، وهما يحاولان إيجاد مصدر للنور بعدما صارت الكهرباء تزور البيوت لأقل من أربع ساعات يوميا، هو الجدول الجديد الذي «أنتجته» شركة الكهرباء منذ نحو أسبوعين.
لم يثر غضب الناس خبر وفاة الشقيقين من عائلة الهبيل، خالد (4 سنوات) وعمرو (3 سنوات)، بقدر ما استفزتهم، أيضا، التصريحات المتناقضة الصادرة عن الجهات المسؤولة في غزة، أكان جهاز الدفاع المدني أو شركة الكهرباء. فالأول سعى إلى إعلان نتائج التحقيق على عجالة، قائلا عبر أحد المديرين فيه، سعيد السعودي، إن التحقيقات تُشير إلى أن الحريق نشب بفعل عبث الأطفال في ولاعة وإشعال النار في الملابس. رواية تكاد تكون «تبريرية» لتعفي الحكومة، التوافق أو ما بقي من وزارات «حماس»، من المسؤولية، لكن المتحدث باسم «الدفاع المدني»، محمد الميدنة، عاد وقال بعد ساعات، إن سبب الحريق «شمعة كانت مشتعلة بعد انقطاع التيار طوال ساعات المساء».
أما شركة الكهرباء، فقالت، في وقت سابق، إنها خفضت ساعات وصل التيار لانتهاء مخزون السولار. وبرغم ضخ مئات آلاف الليترات من الوقود قبل أيام، فإن الشركة رفضت إعادة الجدول القديم (6 ساعات وصل مقابل 12 انقطاع) تحت ذريعة الحفاظ على مخزون من أجل مواجهة المنخفض الجوي الحالي. وسرعان ما حاولت امتصاص الغضب الشعبي، قائلة إنها ستشغل أمس مولدا واحدا «بشرط إدخال كميات الوقود اللازمة لتشغيل المحطة». وقال المدير العام، رفيق مليحة، ​إن لدى شركته 300 ألف لتر وقود دخلت الخميس الماضي، وهي كمية تكفي ليوم واحد فقط، «وقد ادّخرناها للمنخفض الجوي».
دعت «الشعبية» إلى
مسيرات احتجاجية أمام مراكز الشرطة وشركة الكهرباء

مقايضة دفعت الحادثة المأساوية إلى اعتبارها جزءا من المناكفة السياسية بين حركتي «فتح» و«حماس»، الأمر الذي كسا القضية بطابع سياسي، إذ سارعت كل من «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» إلى إصدار بيانين استنكرتا فيه نتائج استمرار الانقسام. ورأت «الجبهة الشعبية» أن «أجساد أطفالنا تقدم قرباناً للانقساميين»، فيما الحل هو «التمرد على الواقع»، في إشارة إلى طريقة إدارة الحكم في غزة. وقالت «الشعبية»: «الكهرباء أزمة مفتعلة وهي جزء من المناكفات بين طرفي الانقسام يدفع ثمنها شعبنا... حل هذه المشكلة يكمن بالتمرد على الواقع، وضغط جماهيري على الطرفين». وكان لافتا أن الشعبية أصدرت بيانا لاحقا دعت فيه إلى «تحرك جماهيري الحاشد اليوم الإثنين من أمام مركز شرطة معسكر جباليا اتجاه شركة الكهرباء في المحافظة» قد يتطور إلى خطوات تصعيدية. أيضا، سجلت «الجهاد الإسلامي» تصعيدا واضحا في خطابها اتجاه الانقسام، إذ قالت في بيانها أمس: «الشعب الفلسطيني ليس ألعوبةً بيد أحد، ولا رهينةً لسجالات السياسة»، داعية «الجهات المسؤولة والمتنفذين» إلى تحمل هذه المسؤولية، وألا يتذرعوا بأي حجج «لتكون مبررًا لإزهاق أرواح الناس».
وتعيد مأساة حريق الطفليْن إلى الأذهان معاناة الغزيين من انقطاع الكهرباء وما تسببه الوسائل البدائية في إنارة المنازل من مآسٍ. وكانت أكثر الحوادث صدمة، هي وفاة أسرة فلسطينية كاملة من 6 أشخاص (الأب والأم، وأطفالهما الأربعة في مدينة غزة) نتيجة حريق في شهر كانون الثاني 2013.
في المقابل، اكتفت «حماس» بمواصلة هجومها على حكومة الوفاق، متهمة إياها بـ«خنق» غزة وإهمال الوضع الإنساني في القطاع. وقد شاركت قيادة الحركة وأعضاء في المكتب السياسي في الصلاة على الطفلين وتشييعهما، فيما حملت الحركة «الوفاق» المسؤولية عن استمرار أزمة الكهرباء.
في غضون ذلك، شهدت مستشفيات غزة، إضرابا عن العمل ليوم واحد احتجاجا على «عدم تلبية الوفاق لمطالب الموظفين». وشارك في الإضراب، أمس، غالبية الأطباء والممرضين والفنيين، لعدم تلقيهم رواتبهم منذ نحو سبعة شهور.
ولم تكن فاجعة الفلسطينيين محصورة في الطفلين المحروقين، إذ قتل الجيش المصري، مساء الجمعة، الفتى زكي الهوبي (17 عاما) واعتقلت ثلاثة آخرين، كانوا يحاولون التسلل من القطاع إلى سيناء للبحث عن عمل.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)