تونس | طوت تونس صفحة الانتخابات التشريعية والرئاسية يوم الأربعاء الماضي، بتولي الباجي قائد السبسي مهماته إثر تأدية اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية أمام البرلمان، في وقت طغت فيه الأسئلة عن تشكيل الحكومة المقبلة، خصوصاً أن المهل الدستورية بدأت تنفد ولم يبق أمام «نداء تونس» (الحزب الفائز) سوى يومين (5 كانون الثاني) لاختيار شخصية تتولى تشكيل الطاقم الوزاري.

وخلال الأيام الماضية، انشغلت قيادات «نداء تونس» بمشاورات «ماراتونية» مع عدد من القيادات السياسية في البلاد، بحثاً عن توليفة حكومية تراعي التوزيع الجديد للقوى السياسية وتضمن للحزب الفائز القدر الأكبر من الاستقرار. وفيما تتطلع الأحزاب السياسية، خاصة تلك التي دعمت قائد السبسي في حملته الرئاسية خلال الدورة الثانية، إلى «نيل شرف» اختيار مندوب منها لقيادة القاطرة الحكومية، تتضارب المواقف داخل «النداء» بخصوص طبيعة التحالفات المقبلة التي ستحدد وجه الحكومة وبنيتها. وتوجد توجهات عدة داخل «النداء»، تعززها تركيبة الحزب غير المنسجمة، إذ يضم يساريين ونقابيين وأيضاً منتمين سابقين إلى حزب «التجمع» الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ويطمح «الندائيون» من قيادات الصف الأول بأن لا تخرج رئاسة الحكومة من بين أيديهم، ولعل تصريحات الأمين العام للحزب، الطيب البكوش، أخيراً، خير دليل على ذلك. إذ اعتبر الرجل أن اختيار شخصية لرئاسة الوزراء من خارج «نداء تونس» هي تهرب من المسؤولية «والنداء سيتحملها ولن يواري ظهره خشية ثقلها». في المقابل، صرّح القيادي في «النداء»، محسن مرزوق، (مقرّب من قائد السبسي ويُتوقع تعيينه مستشاراً للشؤون السياسية في ديوان رئاسة الجمهورية) أنّ رئيس الحكومة المقبل «لن يكون من النداء، وأن نواب الحزب في البرلمان لن تسند إليهم حقائب وزارية».
وكان السبسي قد قال يوم الأربعاء الماضي: «أؤكد والتزم أن أكون رئيساً لجميع التونسيين والتونسيات ومن دون إقصاء مهما كان... لا مستقبل دون توافق بين كل الأحزاب والأطراف الاجتماعية ولا مستقبل لتونس دون مصالحة وطنية». وخفف قائد السبسي من المخاوف بشأن هيمنة حزبه على الحكم وعودة الاستبداد، وقال: «سنسعى لإعادة هيبة الدولة مع التمسك بالعدل واحترام حقوق الإنسان والحريات السياسية... هيبة الدولة تعني دولة القانون وعدم تعسف الأغلبية على حقوق المعارضة».
ولا يملك رئيس البلاد صلاحيات كبيرة ــ بخلاف ما كان ينص عليه دستور البلاد القديم ــ إلا في ما يتعلق بالدفاع والسياسة الخارجية، ويمكنه في الوقت ذاته اقتراح قوانين. ويتمتع رئيس الوزراء بصلاحيات أكبر. وستشكل العلاقة المقبلة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قاعدة لتفسير مواد الدستور الجديد، الأمر الذي سيفتح الباب أمام تثبيت أعراف عدة.

المشاورات والمناورات

يمتلك «نداء تونس» الغالبية اللازمة لتنال الحكومة المقبلة الثقة في البرلمان (109 عضواً من 217). فـ«النداء» صاحب 86 مقعداً في البرلمان، عزز مواقعه بأربعة مقاعد من المستقلين، وثلاثة مقاعد من «المبادرة»، وثمانية إضافيين من «آفاق تونس»، فضلاً عن العدد الأبرز (16 مقعداً) من «الاتحاد الوطني الحر» (سليم الرياحي).
ويبدو أن محادثات حول رئاسة الحكومة استثنت كلاً من «النهضة» و«الجبهة الشعبية»، بحسب ما صرّح به رئيس كتلة «الاتحاد الوطني الحر»، محسن حسن في حديث إلى «الأخبار». وقال إن كل المشاورات التي دعي إليها في هذا الخصوص، ضمت فقط ممثلين عن «النداء» و«آفاق تونس»، «ولم تدع إليها حركة النهضة أو الجبهة».
في السياق ذاته، أوضح القيادي في «الجبهة الشعبية»، زياد لخضر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الجبهة لم تدع ولم تستشر إلى الآن حول الحكومة أو رئيسها»، مشدداً على أن كل ما يروّج عكس ذلك هو مجرد «أقاويل لجس النبض». وأضاف أن «الجبهة غير معنية بهذا التحالف إلا إذا اتفقت مسبقاً مع النداء على برنامج عمل يكون وفياً لمرجعياتها ولبرامجها».
ويدعم حديث المصدرين فرضية اقتصار «النداء» على حليفين فقط، هما «الاتحاد الوطني الحر» و«آفاق تونس»، مع إمكانية اسناد وزارات لمستقلين، مثل إسناد وزارة المرأة لبسمة الخلفاوي (أرملة الشهيد شكري بلعيد)، تقديراً لموقفها (المعارض لموقف «الجبهة»)، إذ ساندت علناً ترشح الباجي قائد السبسي.
وبرغم ذلك، فالظاهر أن «النداء» يبحث، سراً، عن «شرعية وفاقيّة» واسعة لحكومته وحزام برلماني منيع يحميها من الهزات السياسية المقبلة.
وتُعتبر كل السيناريوات والتحالفات يسيرة على «نداء تونس» إلا أقصاها، وهو سيناريو التحالف مع الخصم التاريخي وصاحب المركز الثاني في البرلمان «حركة النهضة». وفيما لم يؤكد الباجي قائد السبسي نيات لإبعاد الإسلاميين عن المشاركة في حكومته المقبلة وكان دوماً على قدر من الانفتاح على جميع مكونات الطيف السياسي، غير أن «التيار اليساري» في حزبه يرى أن أي تقارب مع «النهضة» هو «بمثابة النار التي ستأكل الأخضر واليابس» في حزبهم الفتي.
من جهته، قال رئيس «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، في حديث متلفز مساء أول من أمس، إن حزبه سيتعامل بجدية مع أي دعوة قد توجه له من الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد لتشكيل «حكومة وحدة وطنية»، ولم يستبعد في الأثناء البقاء في المعارضة. وأوضح قياديون في «النهضة» أن لقاءً يتيماً جمع الغنوشي بقائد السبسي، كان لقاء «مجاملات» في إطار التهنئة بالفوز، لم يدم إلا دقائق معدودات ولم تعرض خلاله أي دعوة جدية.

المرشحون والحظوظ

تتفاوت حظوظ المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة، غير أن التسريبات كشفت أسماءً يجري تداولها بقوة، من بينها الطيب البكوش، وهو نقابي مخضرم عمل وزيراً للتربية في حكومة الباجي قائد السبسي الانتقالية عام 2011 وهو يتزعم «التيار اليساري» في «نداء تونس»، لكن ترشحه لا يمثل إجماعاً داخل الحزب.
الشخصية الثانية هي الهادي بلعربي (64 عاماً). هو وزير التجهيز في حكومة المهدي جمعة؛ له أكثر من 35 عاماً من الخبرة المهنية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقيادة والإدارة، وعمل لفترة 21 عاماً مع «البنك الدولي» في مجالات تطوير الإدارة وفي مستوى ملفات القطاعين العام والخاص. طرح اسمه جدياً، لكن البعض يراه «حصان طروادة» والهدف من طرح اسمه لا يتعدى إثارة البلبلة وإلهاء الرأي العام في سبيل تشتيت التركيز على المرشح الأكثر جدية، وهو عبد الكريم الزبيدي.
الزبيدي (64) هو وزير الدفاع السابق، وهو طبيب وأستاذ جامعي. تقلد عدداً من الحقائب الوزارية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، منها الصحة والبحث العلمي. وكان الزبيدي مرشحاً جدياً لرئاسة «حكومة الإنقاذ» الحالية، التي عاد فترأسها المهدي جمعة لاحقاً. ويذكر أنه استقال من منصبه وزيراً للدفاع في حكومة «الترويكا» الثانية، إثر خلاف مع رئيس الجمهورية السابق، المنصف المرزوقي، وتجنب الظهور في الإعلام منذ ذلك الوقت. وتربط الزبيدي علاقات جيدة مع «النهضة» و«النداء».
عموماً، يتسارع نسق المشاورات راهناً، وتتوضح أكثر معالم الحكم في الفترة المقبلة، لكن المؤكد أن خصوم «النداء» يعوّلون بشدة على «تهرئته» خلال تجربة الحكم التي ستضعفه نتيجة المطالب الاجتماعية والظرف الاقتصادي الصعب، فيما تسعى تيارات داخل «النداء» إلى ترجيح معادلة اختيار رئيس حكومة من خارجه، حتى تجنبه تحمل مسؤولية ما قد يحصل خلال فترة الحكم.




جمعة: تلقيت عروضاً لكنني لست معنياً

أعلن رئيس الوزراء التونسي، المهدي جمعة، لوكالة «فرانس برس» أمس، أنه سيزور فرنسا والولايات المتحدة الأسبوع المقبل، بهدف تمهيد الطريق أمام الحكومة المرتقبة و«الاطمئنان إلى مستقبل البلاد»، مؤكداً في الوقت ذاته أنه تلقى عروضاً لرئاسة الحكومة المقبلة.
وسيجري جمعة، الذي سيحتفظ بمنصبه حتى تأليف حكومة جديدة، محادثات يوم الاثنين في باريس مع نظيره الفرنسي مانويل فالس. وسيكون الثلاثاء والاربعاء في نيويورك، حيث سيلتقي الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، ثم في واشنطن، حيث ستستقبله المديرة العامة لـ«صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، ورئيس «البنك الدولي»، جيم يونغ كيم.
وقال جمعة إن «استعراض وجهات النظر يمثل تقليدا جيدا، والتقليد الجيد ايضا ان نمهد الأرض للحكومة المقبلة»، ويعتزم «الاطمئنان إلى مستقبل البلاد، وطلب المزيد من التعاون... لإنجاح هذه التجربة التونسية».
من جهة أخرى، أكد جمعة أنه تلقى عرضا لترؤس الحكومة الجديدة. وقال «نعم، لكن جوابي لم يتغير: لست معنياً. أنا جئت في مهمة محددة في الزمان والموضوع». وأضاف أن «البلد اختار نظاما ديموقراطيا قائما على التداول، ولن نكسر القاعدة عند أول تجربة».
وتابع «يمكن ان نمر عبر السلطة، يمكننا ان نختار... تركها، هذا هو الخيار الذي قمت به»، موضحاً أنه يعتزم «العودة إلى حياة طبيعية... خاصة».
وكلف الرئيس التونسي الجديد، الباجي قائد السبسي، يوم الأربعاء الماضي حزبه «نداء تونس» الذي فاز في انتخابات تشرين الاول، بعرض مرشح لمنصب رئيس الوزراء.
(أ ف ب)