دير الزور | يفرش أبو محمد، الخمسيني، عدداً من علب الدخان على بسطة صغيرة وسط شارع الوادي في مدينة ديرالزور. سعر العلبة الواحدة يرتفع أربعة أضعاف عن سعرها الرسمي. الكهرباء، الغاز، الانترنت، الحليب، الفروج والفواكه جميعها مواد غير متوافرة منذ بدء الحصار. أنواع أخرى من الخضر تتوافر، انّما بأسعار مضاعفة.
جولة في السوق والأحياء تُخبر عن حال المدينة التي أغلقت معظم محالها التجارية أبوابها، باستثناء تلك الخاصّة بصيانة السيارات والدراجات النارية والهوائية، والمقاهي وبعض بسطات الفلافل ومحال الألبسة المستعملة.
محطات الوقود توقفت عن العمل وتندر ملاحظة سيارات تتجول في المدينة، إلا عربات الجيش والشرطة والقوى الأمنية، وذلك بسبب نفاد المحروقات من المدينة وارتفاع سعر الليتر الواحد من البنزين إلى 4000 ليرة سورية.
الحصار لم يمنع بعض التجار من محاولة عبور طرق صعبة للوصول الى نهر الفرات في المدينة، فيشترون مواد متنوعة، كالدخان، من تجار آخرين في مناطق سيطرة «داعش». المواد تُباع بأضعاف سعرها الحقيقي، وذلك بالتعاون مع أصحاب نفوذ في دير الزور. عددٌ من أبناء قريتي الجنينة والحسينية، المتاخمتين لمعبر البغيلية الذي يربط المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» بتلك التي يُسيطر عليها الجيش، يرون أنّ «حصار داعش للمدينة ليس الاّ بهدف التجارة. يومياً، نرى شحنات من الطعام تمرّ باتجاه المعابر النهرية في البغيلية ويُقبض ثمنها بالملايين من قادة التنظيم هنا». والدليل أنه منذ أيام «اعتُقل أمير عراقي مسؤول عن المعابر في الجنينة، وُجدت في منزله أكياس كبيرة مليئة بالنقود كان يستعد ليهرب بها إلى تركيا».
في الاطار نفسه، يتحدث مصدر عسكري لـ«الأخبار» كيف أنّ الجيش «يُصادر يومياً كميات كبيرة من المواد مع التجار، ويبيعها في الصالات الاستهلاكيّة بالسعر الرسمي. جزء آخر يُنقل عبر المروحيات فتوزع المواد اما عبر هذه الصالات أو عن طريق المحافظة للموظفين». أما احتياجات الأفران من الخميرة والمحروقات، «فنقوم بتأمينها كافة. كذلك حاجات المستشفيات والمطاحن والاتصالات لضمان استمرارية الحياة في المدينة».

محطات الوقود توقفت عن
العمل وتندر ملاحظة سيارات
تتجول في المدينة

من أجل تيسير حاجات الناس، جرى تحويل محلج القطن المقابل لمبنى محافظة دير الزور الى مطحنة بعد تهريب مطحنة صغيرة إلى المدينة قبل بدء الحصار. هي تُنتج يومياً قرابة الـ 65 طناً من الدقيق يسدّ حاجة 14 مخبزاً، من بينها مخبزان آليان. يقول مدير المطحنة لـ «الأخبار» إنه يملك «كميات من القمح تكفي لما يزيد على عامين ونصف عام. ما نحتاجه هو الخميرة والمحروقات». كذلك ضُمّت مستشفيات القلب والوطني والأطفال في مستشفى واحد هو «الفرات»، بيد أنّ كوادر هذه المستشفيات معظمهم هاجر من المدينة. أما «الكهرباء، فلا تنقطع فيها وهي تعمل عبر مولدات الديزل. ومستودعات الأدوية تكفي لستة أشهر على الأقل»، بحسب مصدر في مديرية الصحة.
محافظ المدينة اللواء محمد قدور العينيّة يشرح الوضع العام للمدينة: «نعيش ظروفاً صعبة جداً، مع ذلك نحن متفائلون بحلّ قريب سينهي الحصار ودير الزور ستشهد انفراجاً قريباً بحسب وعود القيادة لنا». يتحدث كيف «أسعفتنا مرتجعات الطلاب للكتب العام الماضي في تأمين استمرارية التعليم في المدينة. كما أن أكثر من خمسة آلاف طالب جامعي في التعليم الرسمي ما زالوا يتلقون تعليمهم برغم قلة الكادر». في ما خصّ المياه: «نحن نزود المدينة بها وفق برنامج ضخّ 24 ساعة كل يومين، ورواتب العاملين التي تصل إلى أكثر من مليار ليرة تسلّم في مواعيدها».
ليلُ المدينة لا يخلو من الصخب. المقاهي التي تقدم النارجيلة والشاي عامرة، وتعمل ليل نهار. كل زاوية في دير الزور توحي أن الحياة لا تزال تنبض في شوارعها.