حلب | مرّ وقتٌ طويلٌ منذ آخر مرة وجد فيها الحلبيّون أنفسهم مهتمّين بتفاصيل العمليات العسكريّة. لشهور طويلة خلت لم تكن الحرب سوى تفصيل يوميّ اعتادوا كونه جزءاً من مكوّنات حياتهم. تعايشوا مع فكرة الحرب وانصرفوا إلى محاولات إيجاد حلولٍ لمنعكساتها.
التفاصيل اليومية الأخرى كانت قد استحوذت عليهم فشغلتهم عن مواكبة معركة هنا، وغارة هناك. للماء والكهرباء شجونهما التي لا تنتهي. انقطاع خدمة الانترنت الطويل وما يعنيه من صعوبة التواصل مع الأقارب والأهل الذين غادروا «أخطر مدينة في العالم»، وتوقّف شركات الحوالات الماليّة عن استقبال الأموال بين فترة وأخرى، كلّها شؤون مؤثّرة في حياة السكّان أكثر من كرّ وفرٍّ محدودَين. اقتنع البعض بأنّ أحد الأطراف لن يستطيع حسم المعركة لمصلحته، ورأى آخرون أنّ الأطراف متوافقةٌ على استمرار الأمور على المنوال ذاته. حتى إنّ كثيراً من الحلبيين سلّموا بأنّ خطوط السيطرة في مدينتهم ارتسمت بناءً على توافقٍ عالمي. وحتّى حين لاحت بوادرُ التدخل الروسي في الأفق، فإن الجو العام لم يختلف كثيراً. «لم يكن معظمنا يظنّ أنّ حلب داخلة في مخطّطات المرحلة الراهنة» يقول أسعد، أحدُ الحقوقيّين من أبناء المدينة. حيثما سِرت في أحياء حلب الغربيّة (الخاضعة لسلطة الدولة السوريّة) ستطالعك حملة ترحيبيّة بالرّوس: صور ضخمة تجمعُ الرئيسين السوري بشار الأسد، والروسي فلاديمير بوتين، مرفقةً بعبارة «معاً ضدّ الإرهاب».
معاينة التفاؤل على أرض الواقع باتت ممكنة فقط مع انطلاق العملية، ليبدو الأمر كأن المدينة فوجئت بما يدور على أطرافها. «يبدو أن الأمر هذه المرة جديّ فعلاً»، يقول أبو معتز الذي فقد ابنه قبل أسبوعٍ إثر سقوط «جرّة غاز متفجّرة» في أحد شوارع حي الجميليّة. معظم سكان الأحياء الغربية كانوا يتوقون إلى سماع أنباء تحرك عسكري باتجاه حي بني زيد، أبرز معاقل المجموعات في المدينة ومصدر التهديد المستمر للأحياء السكنية بـ«مدافع جهنّم». غيرَ أنّ أنباء تقدم العملية في الأرياف ولّدت أملاً بحدوث هذا التحرك قريباً. وبفعل «الخبرة» التي أكسبتهم إياها سنوات الحرب، يبدو الحلبيّون حذرين حتى في تفاؤلهم. تتوافق معظم الآراء التي استطلعتها «الأخبار» على أنّ «التقدّم لا يعني نجاحاً سريعاً»، لكنّه في الحد الأدنى يضمن أنّ سقوط المدينة في أيدي المجموعات المسلّحة أو تنظيم «داعش» قد بات «خارج دائرة الاحتمالات». اللافت، أنه رغم وجود أصوات متباينة الرؤى (ما بين مؤيد بالمطلق للسلطات السورية، وبين معارض حذر)، فإنّ معظم هؤلاء يبدو مسلّماً بأنّ «الوضع الراهن أفضل من خروج ما تبقى من المدينة عن سيطرة الدولة». في الوقت ذاته، ينشغل كثير من سكّان الأحياء الغربيّة بمصير أقارب لهم ما زالوا يقطنون الأحياء الشرقيّة (الخاضعة لسيطرة المجموعات). على مدار ثلاثة أيام حاول فائز دخول الأحياء الشرقيّة عبر حي الشيخ مقصود، الذي أخضعه الأكراد أخيراً لسيطرتهم. «سمعتُ أنهم افتتحوا معبراً، وذهبت على أمل استطاعتي التوجه إلى حي بستان القصر وإحضار من تبقّى من عائلتي هناك. أخشى أن تشتدّ المعارك قريباً، ويصبحوا رهائن تطوراتها»، يقول الشاب.