لم تكن فترة ولايته مديراً عاماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مجرد نزهة، بل حفلت تلك السنوات الـ 12 من حياته بمحطات هامة ومواقف شائكة، جعلته يؤدي دوراً سياسياًَ بامتياز
معمر عطوي
مع إشراقة صباح هذا اليوم، تفتح الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أبوابها أمام مدير عام جديد، هو يوكيا أمانو، خلفاً للمصري محمد البرادعي، في ظل استمرار بعض الملفّات الشائكة في الوكالة، مثل الملف الإيراني والكوري الشمالي والسلاح النووي الإسرائيلي. طوال 12 عاماً في قيادة وكالة الطاقة، لم يكن محمد مصطفى البرادعي، ابن قرية الدقي في محافظة الجيزة المصرية، (مواليد 1942)، مجرد مدير عام لمنظمة دولية يقوم بعمله الروتيني بعيداً عن الدوافع السياسية للقرارات الدولية. لكن متخرّج كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ابن النقيب السابق للمحامين المصريين، أراد الانتقال بالوكالة إلى مرحلة متقدمة من العمل السياسي المؤثّر، فخالف الأكذوبة الأميركية حول سلاح دمار شامل في العراق. شغل البرادعي منصب المدير العام لوكالة الطاقة لمدة ثلاث ولايات، كان أبرز محطاتها حصوله مناصفة مع الوكالة في عام 2005 على جائزة نوبل للسلام «اعترافاً بالجهود المبذولة من جانبهما لاحتواء انتشار الأسلحة النووية». غير أن الدبلوماسي المصري، الذي تعرض لانتقادات إسرائيل والغرب بسبب «تساهله» في الملف النووي الإيراني، وصل إلى «طريق مسدود» في هذا الملف.
البرادعي، الذي أثار استياء الإدارة الأميركية في عهد جورج بوش بعدما خلص رئيس فريق التفتيش في وكالة الطاقة السويدي هانس بليكس الى عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق في 2003، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية الأميركية، ولا سيما ما أثارته صحيفة «واشنطن بوست»، في عام 2005، بإعلانها عن قيام الولايات المتحدة بالتنصّت على مكالماته، في محاولة لإيجاد ما يمكن أن يعوق ترشحه لولاية ثالثة.
إلا أنه تمكّن من الفوز بالمنصب، رغم محاربة واشنطن، ما دفع الإدارة الأميركية الجديدة إلى الاعتراف على لسان مندوبها لدى وكالة الطاقة، غلين ديفيس، بأن البرادعي «كان بطلاً، لم يعمل أحد بهذا الشكل ولمثل هذه الفترة الطويلة، ومع هذا القدر من المخيّلة ومن دون كلل مثل محمد البرادعي».
بدأ البرادعي حياته العملية موظفاً في وزارة الخارجية المصرية في قسم إدارة الهيئات سنة 1964، حين مثّل بلاده في بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك وفي جنيف. نال سنة 1974 شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من كلية نيويورك الجامعية للحقوق، لكنه عاد بعدها مباشرة إلى مصر، حيث عمل مساعداً لوزير الخارجية.
التحق البرادعي بوكالة الطاقة سنة 1984، فشغل مناصب رفيعة، حتى عُيِّن مديراً عاماً، في 1 كانون الأول 1997، وأعيد اختياره لفترة ثانية في أيلول 2001.
أدى البرادعي بالفعل دوراً سياسياً مهماً في معارضته لسياسات العسكرة الأميركية.
مواقف قادته إلى معارضة توجيه ضربة عسكرية لإيران، وصلت الى حدّ تهديده بالاستقالة.وتمكن الرجل من الدخول الى السياسة من بابها الواسع رغم عدم إعلانه صراحة، نيته تسلّم أي منصب سياسي في بلده. فقد رشح عدد من شباب حزب «الوفد» المصري المعارض البرادعي لرئاسة الحزب كي يتسنى له الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر. لكن المدير العام اكتفى بالقول «سأدرس إمكان الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية في مصر إذا وجدت ضمانات مكتوبة بأن العملية الانتخابية ستكون حرة ونزيهة».