بغداد ــ زيد الزبيدييتساءل كثيرون: هل في البلد المحتل عيد؟ بل هل في بلد عانى مثل ما يعاني العراق والعراقيون، عيد؟ وبرغم مرارة الألم، وفيض الدم الذي لم يتوقف، يبحث العراقيون عن فسحة للفرح، علّها تعكس نوعاً من الأمل في أن يعود البلد إلى أهله بعد طول اغتراب.
في بغداد، خصوصاً، تبدو طقوس عيد الأضحى مبتورة، وحتى ما يتيّسر منها لا يدخل تلك البهجة المفترضة إلى النفوس، ولا سيما نفوس الأطفال الذين يتشوّقون إلى متعة حُرموا منها منذ سنوات؛ فالمتنزهات ومدن الألعاب التي أعيد فتحها خلال السنتين الماضيتين، على ندرتها، وشحّ ما فيها، يكاد الوصول إليها من الأمور الصعبة والخطرة جداً.
وبحسب سكان العاصمة المقطّعة الأوصال بالجدران العازلة، فإن متنزّه الزوراء في ناحية الكرخ، وهو أهم متنزّهات بغداد، أعيد تأهيله في السنوات الأخيرة من حكم النظام السابق، لكنه سرعان ما تناوشه الخراب في «العهد الجديد». وفي الآونة الأخيرة، بذلت أمانة بغداد جهوداً لإعادة افتتاحه للمواطنين، إلا أنّ الوصول إليه أصبح «مهمة شاقة» في مواسم الأعياد والمناسبات، حيث يتم غلق الطرق المؤدية إليه أمام المركبات، من على بعد عدة كيلومترات، ومن كل الجهات، ما يتطلب السير على الأقدام مسافات طويلة، لا يستطيع الأطفال أو الكبار قطعها، إضافة إلى أن من يجلب عائلته بسيارته الخاصة، لا يجد مكاناً لركنها، وإن وجد، فإن السيارة تكون «محط شبهات»، خشية أن تكون مفخخة.
ويواجه السكان «مهمة شاقة» أخرى في الخروج من مناطقهم والعودة إليها، واضطرارهم إلى الوقوف في طوابير لغرض التفتيش، في الذهاب والإياب. ولسكان الرصافة المعاناة نفسها في الوصول إلى «مدينة الألعاب» قرب نصب الجندي المجهول، بينما افتتحت في أول أيام العيد «جزيرة بغداد السياحية»، غير المؤهلة حتى الآن، بعدما كانت منذ الاحتلال ثكنة عسكرية للقوات الأميركية والعراقية.
ويكتفي معظم الأطفال، خلال أيام العيد، بالمكوث في البيوت مع عائلاتهم، أو الذهاب إلى بعض «مدن الألعاب» الصغيرة والمتواضعة في مناطق سكنهم، فيما تنتظر العائلات زائرين من الأقارب والأصدقاء، ولكن من النادر أن يأتي أحد، بسبب مشاق الدخول إلى الكانتونات والخروج منها. لهذه الأسباب، يقتصر تبادل الزيارات على أهالي المنطقة الواحدة أو الشارع الواحد حتى.
وفي العيد، اعتاد العراقيون زيارة موتاهم. ولطالما اعتاد أهل الرافدين زيارة عدد قليل من المقابر. أما آلان، وبسبب صعوبة نقل الموتى وإيصالهم «سالمين» إلى المقابر، فقد تعددت أماكن الدفن، حتى زاد عددها على 382، في أنحاء متفرقة من العراق.
ويواجه زوار مقابر الأعظمية ومحمد السكران في الراشدية والشيخ معروف ومقبرة الكرخ في أبي غريب، صعوبات جمّى، بسبب الأطواق المفروضة من حولها، ليس خشية هروب الموتى، وإنما «لدواعٍ أمنية».
وفي العيد أيضاً، ينحر متسكّعو السياسة «الأضاحي» من المال المسروق أو الرشى أو مكافآت المحتل، ويوزّعون لحومها «تقرّباً لوجه الله»، ويقيمون الولائم الكبرى لأغراض الدعاية الانتخابية.
في المقابل، يجد معظم المواطنين أنفسهم عاجزين مادياً عن شراء الأضحية لأن أسعارها خيالية، بينما يرفض العديد من الفقراء تسلّم لحوم أضاحٍ من تقدمة السياسيين، لأنها متأتية من «المال الحرام».
عيد عاشه العراقيون في بغداد وسط ظاهرتين: «بذخ انتخابي» من جهة، وحياة في أحياء وشوارع أصبحت، منذ سبعة أعوام، عبارة عن مطبّات وأتربة ومكبّات للنفايات، وكأنها ليست في عاصمة العراق.
ويعزو أحد المقاولين الذين يعملون في المشاريع الخدماتية، تردّي العمل في تلك المشاريع إلى الفساد الإداري، بينما ينحصر جل الاهتمام على نصب الحواجز الأمنية والجدران العازلة.
ويرى مراقبون اقتصاديون أنّ أداء أمانة بغداد، بعد سقوط النظام السابق، لم يرتق إلى الحد الأدنى من تنفيذ المشاريع الخدماتية، فأصبحت تلال النفايات من السمات المميزة لعاصمة الرشيد، وخاصة في قلبها التجاري، ومناطقها الترفيهية.
ويبقى العيد بالنسبة للبغداديين طقساً يحتفون به، مهما قست الظروف وتراكمت المصاعب، وهم يتذكرون العيد عندما كان عيداً حقيقياً، وليس لديهم الآن سوى الأمل والتطلع إلى عيد جديد، يطلّ على عراق خالٍ من الاحتلال وشوائبه.