الإمارة تتكتّم على خطّتها الإنقاذيّة... الضغوط السياسيّة تتزايد عليها!غداة قيام دبي بخطوة غير متوقّعة على الصعيد المالي قضت بإعادة هيكلة ديون تصل قيمتها إلى 59 مليار دولار، معظمها لشركة «نخيل» التابعة لـ«دبي العالميّة»، دخلت الإمارة ومعها المنطقة في معمعة ائتمانيّة جديدة تؤثّر على الجهود لإحلال الاستقرار.
ففي البداية، تبيّن أنّ «بنك الخليج الدولي» ألغى بيع سندات مقوّمة بالدولار. وبحسب الحسابات الأوّليّة كان المصرف الذي تملك مؤسّسة النقد السعودي 97% من أسهمه، ينوي جمع 500 مليون دولار من العمليّة.
ويتّضح من خطوة دبي، تأجيل استحقاقات شركتها حتّى أيّار من عام 2010، أنّ الأمور لا تزال خارج السيطرة على الرغم من البرنامج الائتماني الضخم الذي أطلقته المدينة.
واقعٌ أرسى التخوّف في صفوف اللاعبين في الأسواق الماليّة الخليجيّة، حيث ظهر النفور من السندات واضحاً. وتراجع إصدار لمصلحة شركة «دبي هولدنغ» بواقع 16 نقطة مئويّة، فيما انخفض سند إسلامي لشركة «دبي للموانئ» يستحق في عام 2017، بواقع 10 نقاط مئويّة.
وسارعت وكالة «Moody’s» للتصنيف الائتماني إلى خفض تصنيف ست شركات تابعة لحكومة الإمارة منها «سلطة موانئ دبي العالمية» (DPW) و«هيئة كهرباء ومياه دبي»، وكذلك العملاق العقاري «إعمار».
وتأثّرت دبي تأثّراً حاداً من جرّاء الأزمة المالية، واتخذت سلسلة من التدابير التي وجدتها ضروريّة لاحتواء انعكاسات الأزمة الماليّة عليها. وقالت «Moody’s» في بيان نقلت تفاصيله وكالة «France Press»: «لطالما أشرنا إلى أنّ الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة (في دبي) مع ديون نخيل ستمثّل اختباراً حاسماً لدبي».
وأضاف البيان أنّه «رغم أنّ Moody’s لم تصنّف نخيل، إلّا أنّها سابقة مهمة بالنسبة إلى شركة من الطراز الأوّل تواجه صعوبات في دفع ديونها وتستعين بالحكومة لدعمها». وختم بالقول إنّ «إعادة هيكلة الدين تشير إلى أنّ الحكومة تستعد للسماح لشركة تابعة لها بعدم الوفاء بالتزاماتها».
من جهتها، قالت مؤسّسة التصنيف الائتماني «Standard & Poor’s» إنّها عدّلت تصنيف أربعة مصارف صوب الهوامش السلبيّة نظراً لارتباطها بشركة «دبي العالميّة».
والمصارف هي «بنك الإمارات العالمي» (EIB)، و«بنك دبي الوطني» (NBD) إضافة إلى «بنك المشرق» و«بنك دبي الإسلامي».
ويربط بعض المحلّلين ما يحدث في دبي بضغوط سياسيّة تمارسها الولايات المتّحدة وأبو ظبي لدفع الإمارة إلى إعادة صياغة علاقتها مع إيران، فيما يبقى حاكم دبي، محمّد بن راشد آل مكتوم، متكتّماً على خطة «إنقاذ» مدينته مالياً، طالباً من المنتقدين «أن يخرسوا».
ووفقاً لبعض المراقبين، فإنّ المكتوم يريد أن تكون خطّته متكاملة لكي تريح المستثمرين الحاليّين والمستقبليّين. والأكيد هو أنّ الآن هو الوقت المثالي للإفصاح عن تفاصيل تلك الخطّة.

الاقتراض... دون نفع

وتأتي هذه المعمعة الماليّة في العاصمة الماليّة الشرق أوسطيّة، بعد عام تقريباً على انفجار الأزمة الماليّة العالميّة والتعثّر الذي شهدته الإمارة من جرّائها. فالنموّ الصاروخي الذي سجّل في دبي مدفوع أساساً من فورة قطاع العقارات، وقد اصطدم بجمود في أسواق الائتمان.
وإذا كان الاستحقاق الأقرب لـ«نخيل» يستحقّ في 14 كانون الأوّل المقبل وتبلغ قيمته 3.5 مليارات دولار، فإنّ المستثمرين في الدين السيادي لدبي الذي تقارب قيمته 80 مليار دولار يزداد قلقهم من الأداء المالي لهذه الإمارة وبشأن مستقبل التزاماتها.
وكانت حكومة دبي قد أتمّت في شباط الماضي الخطوة الأولى من برنامج تمويلي لتوفير 20 مليار دولار بهدف ضمان الالتزامات المستحقّة عليها. واشترى المصرف المركزي الإماراتي، التابع لأبو ظبي نصف قيمة تلك السندات (10 مليارات دولار). كذلك أعلنت الحكومة أوّل من أمس أنّها جمعت خمسة مليارات دولار إضافيّة من جرّاء بيع سندات إلى مصرفين تسيطر عليهما العاصمة الإماراتيّة.
ولكن هل يمكن أن تمضي المدينة التي صنّفت في وقت ما ذهبيّة على طريقها التقليديّة؟
هناك توجّهات كثيرة لإعادة هيكلة طرق إدارة الإعمال وتنظيم القطاعات في دبي، وخصوصاً أنّ حصيلة دورة فورة النموّ ـــــ الركود الذي شهدته، لم تكن فقط عدم القدرة على السداد فقطـ بل مجموعة من الممارسات الاحتياليّة والتزوير في شركات عديدة.
وعلى أيّ حال، فإنّ ما تمرّ به دبي على الصعيد المالي حالياً لا يعنيها وحدها. فمنطقة الشرق الأوسط التي طفت بلدانها النفطيّة على سيولة وفقيرة منذ بداية الألفيّة وحقّقت معدّلات نموّ عالية، لم تولّف بعد الإجراءات الجذريّة لاحتواء تداعيات قضيّة مجموعتي «سعد» و«أحمد حمد الغصيبي».

تأثّر عالمي

ومثلما تؤدّي القضيّة الأخيرة إلى تداعيات عالميّة، أدّت التطوّرات الدراماتيكيّة التي شهدتها دبي إلى حراك سلبي في أسواق المال العالميّة. وتراجعت مؤشّرات الأسواق الماليّة في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، «CAC40» و«DAX» و«FTSE100»، بنسبة تقارب 2.2%، فيما السوق الأميركيّة في نيويورك كانت مقفلة بسبب عطلة عيد الشكر.
وقبل جلسات الأسواق الغربيّة، حظي الشرق بحصّته من التراجه، وتراجع مؤشّر بورصة شانغهاي بنسبة 3.6% وهو التراجع الأكبر المسجّل منذ 31 آب الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ أسواق الأسهم عالمياً كانت قد شهدت نموّاً لافتاً منذ بداية العام الجاري بعدما تكبّدت خسائر ضخمة بسبب الأزمة الماليّة وصلت إلى 30 تريليون دولار.
وعيون المستثمرين لم تكن مركّزة فقط على دبي والأسواق الماليّة، ففي سوق العملات حركيّة لافتة تعكس وتؤثّر على إحداثيّات أخرى في السوق العالميّة.
فقد تراجع سعر صرف الدولار إلى أدنى مستوى له أمام الين الياباني خلال 14 عاماً، فيما ارتفع سعر صرف اليورو أمام العملة الخضراء إلى أعلى مستوى في 15 شهراً وبلغ 1.5141.
وبدا لوهلة أنّ عالم المال يدخل مجدّداً في دوّامة ائتمانيّة جديدة، حيث ارتفعت أكلاف التأمين على المبالغ المقترضة إلى مستويات مرتفعة. فكلفة اقتراض 10 ملايين دولار في دبي، على سبيل المثال، أضحت 500 ألف دولار.
وفيما كانت الأمور تتخذ هذا المنحى السلبي بين شانغهاي وفرانكفورت، كان الذهب يكرّس مكاسبه في السوق، لسببين: الاوّل، متعلّق بكونه ملجأً في مراحل الاضطرابات النقديّة والماليّة. والثاني طابعه هيكلي، حيث يقول المحلّلون إنّ ارتفاع الأسعار المسجّل طابعه هيكلي يعكس نمطاً طويل المدى وتغييرات متعلّقة بأسس السعر.
ووصل سعر أونصة المعدن الثمين إلى مستوى قياسي جديد بلغ 1196.8 دولاراً.
(الأخبار)