أصبحت الانقسامات في المجتمع العراقي كثيرة في ظل الاحتلال. ويطفو الآن إلى السطح، وبشكل لافت، مصطلح «عراقيي الخارج»، وهو ليس مصطلحاً جديداً، إلا أن مفهومه قد تغيّر، لأن من كان يصطلح على تسميتهم «عراقيّي الخارج»، أصبح بعضهم حكاماً في عهد الاحتلال، بعدما كانوا ينادون بالحرية والديموقراطية و«معاداة الإمبريالية»
بغداد ــ زيد الزبيدي
كانت أشبه بالصدمة بالنسبة لمعظم العراقيين أن يروا من كانوا يسمّونهم مناضلين، وأتوا مع المحتل، ينظرون إليهم باستعلاء، لا لشيء، إلا لأنهم صمدوا في الداخل، وتحمّلوا أصناف الكبت والحرمان والجوع الذي فرضه كل من الحكم التسلطي والحصار الأميركي على بلاد النهرين.
قال أحد السياسيين القادمين من الخارج مع الاحتلال إن «الشعب العراقي كله بحاجة إلى إعادة تأهيل، لأنه تعلم منذ طفولته على نهج معين ومصطلحات معينة». وكان أولئك القادمون يُشعرون الناس بأنهم غرباء، حتى كانوا ينظرون إلى الشعب بريبة، ويعتبرون أنّ كل من صمد في الداخل بعثيّ يستحق العقاب، أو حتى «إعادة التأهيل».
ويستغرب البعض كيف أنّ عضواً في المكتب السياسي لأحد أبرز أحزاب المعارضة السابقة، جاء إليه ليسأله عن سكرتير تحرير صحيفة حزبه، وهو من عراقيي الداخل: «هل كان بعثياً، أو متعاوناً مع استخبارات النظام السابق؟». إلى هذا الحد كانت نظرة القادمين من الخارج إلى عراقيي الداخل مهينة. في النهاية، لم يستطع سكرتير التحرير هذا تحمّل أو استيعاب ما يجري، فغادر البلاد لتنقلب المقاييس ويصبح اليوم من «عراقيي الخارج».
وفي المقابل، كان مصطلح «عراقيي الخارج» بمثابة «شتيمة» في الشارع العراقي، لأنه بات يعني المتعاونين مع المحتل.
الشعب العراقي كله بحاجة إلى إعادة تأهيل، لأنه تعلم نهجاً ومصطلحات معينة
إلا أن المهندس سامر العزي يبدي أسفه لكون مفهوم عراقيي الخارج بات يعني هؤلاء الذين يندر اختلاطهم بالناس وحتى بأهلهم وذويهم، لأنهم يقيمون خلف الحصون ولا يتحركون إلا معهم جحافل من الحمايات. ويقدّم العزي شهادته قائلاً إنه «في منطقتنا الصليخ مثلاً، لم نرَ بيننا سوى أشخاص معدودين من الذين كانوا في الخارج وأتوا إلى منطقتهم وأهلهم، وهم أساساً تركوا العراق بحثاً عن العمل والمعيشة في ظروف الحصار القاسية، وليس لأسباب سياسية، وقد عاد معظمهم إلى البلاد التي كانوا فيها، بعدما اكتشفوا خدعة الحرية والرفاه التي وعدهم بها الأميركيون وحلفاؤهم، حيث لم يجدوا فرصة للعمل ولا للحرية، فعادوا أدراجهم».
ويوضح العزي أنّ «ما ينطبق على هؤلاء، ينطبق على عراقيي الداخل، فلو كانوا من البعثيين فعلاً، فمن أين أتت هذه الحشود المليونية التي انجرّت وراء الطائفية؟ وهل تحوّل البعثي العلماني بقدرة قادر، وفجأة، إلى سياسي طائفي، بل إلى ممارس للعبة الدم التي ابتكرها الاحتلال؟».
أما علياء خضر، وهي مدرِّسة، فتبدي عجبها لتصريحات أحد المسؤولين من الذين أتوا من الخارج، والتي يقول فيها إن رقم أربعة ملايين مهاجر ومهجّر في الخارج، مبالغ فيه كثيراً، وهو يتحدى من يستطيع إثبات ذلك.
وتكشف علياء أنها كانت في الخارج قبل الاحتلال، وهاجرت منذ عام 1993 بسبب الظروف المعيشية الصعبة لتلحق بشقيقها الأكبر. ثم التحق بهما شقيقهما الآخر، وأتيحت لها فرصة عمل في إحدى الدول العربية. وتعترف أنه في 2004، عادت وأشقاءها إلى العراق، وحصلت على كتاب من أحد التنظيمات «بالواسطة»، يفيد «بأنني تركت العمل لظروف سياسية، وتمت إعادتي إلى الوظيفة. أما شقيقاي فلم يجدا أي عمل حكومي، ومارسا العمل التجاري الحر، إلا أنهما تركا العراق في 2006 إثر موجة التطهير الطائفي».

للضرورة أحكام

ولكن عبد راضي (32 عاماً) يرى الأمور بمنظار آخر، بما أن «الموت كان يلاحقنا في عهد النظام السابق، إضافة إلى تدنّي مستوى المعيشة. سبق أن هرب إخوتي إلى الخارج بسبب الحروب والتجنيد الإلزامي، والتحقت بهم قبل أن أبلغ سن المكلفيّة، أي قبل بلوغي الثامنة عشرة، وقد عدنا جميعاً بعد حرب 2003 وصدور قرار حل الجيش وإلغاء التجنيد الإجباري». لكنه لم يجد بعد عودته عملاً مجزياً غير الانخراط في صفوف الشرطة والحرس الوطني، «وقد سهّل لنا العمل في هذا المجال كوننا هاربين من النظام السابق، ووجدنا في عملنا مكسباً كبيراً من حيث الرواتب المرتفعة، إلا أن المخاطر تلاحقنا حيثما ذهبنا، ومنها أنّ أخي الأكبر أصيب بجروح خطيرة سبّبت له عاهة دائمة في أحد الاشتباكات». ويختم شهادته بالتأكيد أنّ أموره المعيشية «أفضل بكثير مما كنا نحلم به، عندما كنا مشردين في الخارج».
وعن علاقاتهم مع أبناء منطقتهم اليوم، يلفت راضي إلى أن هناك «من ينظر إلى عملنا كأمر اضطراري، حيث لا توجد فرص عمل لمعظم الشباب، وهناك من يحسدوننا على ما نتقاضاه، وأيضاً هناك من ينظر إلينا بازدراء لكوننا هربنا من العراق خوفاً من الخدمة العسكرية، وعدنا إلى العراق لنمارس العمل الذي هربنا منه في العهد السابق».
وفي كلامه، يرى راضي أن «للضرورة أحكاماً، ومن هذه الأحكام أننا اضطررنا لتغيير منطقة سكننا، كما ترك والدنا عمله في الزراعة، فلا حاجة له بموردها الضئيل قياساً بما نتقاضاه». كلام يعلق عليه أحد المستمعين بازدراء: «ولعل من أحكام الضرورة أيضاً، الانخراط أو المشاركة في أوسع حملة تطهير عرقي وطائفي شهدها العراق في تاريخه».

مسلسل الهجرة

المهجّرون بعد 2003 معظمهم من النخبة، وقد يكون هذا وحده كافياً لاستهدافهم
في تحليله لظاهرة عراقيي الداخل والخارج، بين الأمس واليوم، يذكّر الأكاديمي عبد المحسن الزيدي أنّ معظم العراقيين الذين كانوا في الخارج إبان النظام السابق، لم يكونوا سياسيين، إنما اضطرتهم الظروف المعيشية للهجرة، وخصوصاً في فترة الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق. ويعطي بعض التصنيفات: ففي فترة استيلاء «البعث» على السلطة عام 1968، هاجر الآلاف ممن توجسوا مما سيحدث، كما شهدت تلك الفترة هجرة العديد من البعثيين الذين يطلق عليهم «البعث اليساري»، أو «الجناح السوري». وأعقبتها بفترة وجيزة هجرة أعداد من الشيوعيين والماركسيين المعارضين للحكم الجديد ممن كانوا ينتظمون في صفوف «اليسار الماركسي أو الغيفاري». وكان معظم هؤلاء مرتبطين بشكل أو بآخر بالمقاومة الفلسطينية. ثم جاءت هجرة الحركة المسلحة الكردية إلى إيران، ثم إلى سوريا وأوروبا في أعقاب اتفاقية الجزائر عام 1975 وانهيار حركة مصطفى البرزاني.
وفي أواخر السبعينيات، قبل تسلم صدام حسين رئاسة الجمهورية، أعطى للحزب الشيوعي آلاف جوازات السفر المفتوحة ليغادر العراق من يريد المغادرة. وعند مجيء «الحكم الشيعي» في إيران، غادر إليها العديد من السياسيين الشيعة. كما قام نظام صدام بتسفير الآلاف من حملة الجنسية الإيرانية، قبل أن تشتدّ عمليات الهجرة عند اندلاع الحرب العراقية ـــــ الإيرانية التي كانت شاهدة على مغادرة قيادات حزب «الدعوة الإسلامية»، إضافة إلى هروب الكثيرين من الخدمة في الجيش. إلا أن الهجرة الكبرى للعراقيين حصلت بعد غزو الكويت وحرب 1991، وفرض الحصار الاقتصادي الخانق، ما أدى إلى نزوح هائل طلباً للعمل أو اللجوء وتأمين العيش في الخارج.

بعضهم عادوا زائرين

وفي سرده لتفاصيل ظاهرة الهجرة، يكشف الزيدي عن أنّ الذين هربوا سياسياً، ترك معظمهم العمل السياسي لإدراكهم عدم جدواه في الخارج، وقد عاد كثيرون منهم حتى في فترة الحصار. أما الذين هربوا لأسباب المعيشة، وهم الغالبية الساحقة، فقد اعتادوا المعيشة في البلدان التي آوتهم، ومنهم من استقروا في أعمال جيدة ودخل أبناؤهم المدارس والجامعات، وهؤلاء قد يأتي بعضهم إلى العراق كزائرين.
من هنا، يختصر الزيدي قراءته باعتبار أنّ عراقيي الخارج هم «العراقيون الواعون والتكنوقراط الحقيقيون، وليس من أتوا ليعتاشوا من السياسة في ظل الاحتلال».

النخبة في الخارج

بحسب الصحافي صلال النداوي، فإنّ أعداد العراقيين الذين غادروا العراق في عهد الاحتلال، أضعاف من غادروه في كل الفترات السابقة، لسببين أساسيين: أولهما روحية الانتقام لدى السياسيين العائدين من الخارج، وخاصة من أشعلوا الحرب الطائفية، وهو ما يمكن أن نلخصه بـ«العامل الأمني ـــــ السياسي». أما السبب الثاني فهو البحث عن لقمة العيش، بعدما أغلق الاحتلال وأدواته كل مجالات العمل، وعطّلوا الاقتصاد العراقي بغية تغييره نحو اقتصاد السوق.
ووفق هذا الكلام، يكون الطابع السياسي هو الغالب في الهجرة الأخيرة التي يحاول البعض التقليل من شأنها وحجمها، وهي تكمّل مأساة الهجرات السابقة، بما أن عراقيي الخارج حالياً، في نظر الشارع العراقي، ليسوا «عراقيي الخارج» الذين شاهدوهم من بعيد مع الاحتلال، وإنما معظمهم من النخبة، وهذا وحده قد يكون كافياً لاستهدافهم.


الهاشمي يلمّح إلى نقض القانون... مجدداًوقال الهاشمي، في بيان، إن التعديل «أكثر إجحافاً من النسخة الأولى، إضافة إلى كونه غير دستوري ومجحف ويتناقض مع الأعراف والتقاليد السياسية». وحذّر من أنه «سيتعامل معه كما تعامل مع سابقه بمنتهى المسؤولية الوطنية». بدوره، رأى السفير الأميركي كريستوفر هيل أنّ «تأخيراً بسيطاً لموعد الانتخابات لن يؤثر، لكن لا نرغب في التأجيل لفترة طويلة». أما الرئيس جلال الطالباني، فقد أشاد بالنسخة الجديدة من القانون.
(أ ف ب)