صعود القوة السياسية السوريّة يقلق إسرائيل، التي تنظر إلى تعاظم دور دمشق في المنطقة عبر لبنان وتركيا والسعوديّة، بعدما كانت «تنافس على لقب» الدولة المنعزلة في الشرق الأوسط
مهدي السيد
تناولت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، ما سمّته «الإحساس المتجدد للقوة في سوريا، والأيام الطيبة التي يمر بها (الرئيس السوري) بشار الأسد». وأشارت إلى أن «تأليف حكومة وحدة وطنية في لبنان، يبقي لدى الأسد رافعة تأثير على قراراتها».
وأضافت الصحيفة أن «النزاعات في لبنان متوقّعة في أي حين، وهناك إدراك بأن الحكومة اللبنانية الجديدة ستكون بحاجة إلى التدخل والوساطة السورية كلما نشب نزاع هناك، الأمر الذي ترك هذا البلد ضمن ساحة الرعاية السورية»، مشيرة إلى أنه «يكفي مراجعة التقارير التي وصلت بعد زيارة (الرئيس اللبناني) ميشال سليمان إلى دمشق، الذي سارع إلى العاصمة السورية كي يشكر الأسد على جهوده، كي ندرك بأن الوزراء الخمسة الذين عيّنهم الرئيس (سليمان)، من أصل 30 وزيراً، لن يكونوا مستقلين في قراراتهم».
وكعيّنات على النجاحات السورية، قالت الصحيفة إنه «بعد أيام من تأليف الحكومة (في لبنان)، دعي الأسد إلى باريس كجزء من الإيفاء بوعد قطعه (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي للقائه، وهي الدعوة التي تشير إلى أن السياسة الفرنسية تتطلع إلى احتلال مكانة موازية للولايات المتحدة في إدارة شؤون الشرق الأوسط». كما أن النجاح السوري برز في «المصالحة الفاخرة بين سوريا والسعودية، والتي شكلت وتداً إضافياً ساعد الأسد على تثبيت مكانة مركزية لبلاده في المنطقة، بل يمكن أن نضيف أيضاً ما جرى اعتباره إهانة (لرئيس الحكومة الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض»، في إشارة إلى تأخير لقائه بالرئيس الأميركي باراك أوباما.
السبيل الوحيد لفهم ما يريده الأسد هو إعلان قبول دعوته إلى المفاوضات
وضمن الفوائد السورية، قالت الصحيفة إن «هناك تقارير وردت من سوريا تشير إلى أن دمشق تلقّت أيضاً مئات الملايين من الدولارات من السعودية، كي توافق على إقامة حكومة في لبنان». أما تركيا فقد «ساهمت بدورها في المكانة السورية الجديدة، وبفضل إسرائيل وضعف (رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق) إيهود أولمرت، جرى البدء بمفاوضات غير مباشرة مع دمشق بوساطة من أنقرة»، الأمر الذي «قلص حجم العقوبات المفروضة على سوريا، ومن شأن ذلك إحساس دمشق بالقوة، بعدما كانت تنافس على لقب الدولة المنعزلة في الشرق الأوسط».
وتابعت الصحيفة أنه «يمكن سوريا حالياً أن تطرح شروطاً على واشنطن (لتحسين العلاقات معها)، وأيضاً تضع شروطاً على انضمامها إلى اتفاق تعاون مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يترنّح فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتتواصل عرقلة التسوية مع الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى».
وأشارت الصحيفة إلى أن «الأسد، ومن موقعه الجديد، يواصل إرسال رسائل غامضة تجعل من الصعب فهم موقفه تجاه السلام مع إسرائيل، ففي خطاب ألقاه قبل زيارته باريس قال إن المقاومة بالمعنى الثقافي والعسكري هي جوهر سياسة سوريا اليوم، وهي جوهر وجودنا. والسلام ليس فقط بالمفاوضات بل أيضاً بالمقاومة». وتساءلت الصحيفة عن القصد من وراء كلام الأسد، «هل ستشجع سوريا حزب الله على مهاجمة إسرائيل؟ ألا يمكن أن تجري المفاوضات إلا تحت النار كي تكون ناجعة؟».
وعن أساليب الرئيس السوري ونياته، قالت الصحيفة إنه «كما في الماضي، لا يشير تحليل ما يصدر عن الأسد من أقوال، إلى أي فهم لمواقفه (الحقيقية)، إذ يمكن أي جهة أن تفهم نياته كما تريد، والسبيل الوحيد لفهم ما يريده الأسد هو دعوته إلى الاختبار، وإعلان قبول دعوته إلى المفاوضات، حتى مع استئناف الوساطة التركية»، مشيرة إلى أن «الصمت الإسرائيلي حيال المفاوضات مع سوريا، سيدفع تل أبيب إلى المواجهة قريباً مع الولايات المتحدة، التي تؤمن بأن القناة السورية هي المكان الوحيد لتسجيل نجاح ما في الشرق الأوسط، فواشنطن كما باريس، تسعيان إلى توثيق العلاقات مع سوريا، وتحقيق ذلك من المتوقع أن يتم في نهاية هذه السنة».