القاهرة | ثماني سنوات والأزمات الناتجة من غلق معبر رفح، بين قطاع غزة ومصر، هي نفسها، رغم تعاقب أنظمة حكم عديدة على القاهرة. تظهر آثار الأزمة مرة في غزة بسبب اشتداد الحصار وسوء الأوضاع الإنسانية وتراكم سجلات الطلاب والحالات الإنسانية بانتظار أن يعبروا إلى مصر، ومرة أخرى تظهر الأزمة في القاهرة نفسها، حينما يعلق المئات بعدما تنقضي مصالحهم أو مدد علاجهم. هؤلاء يضطرون إلى الانتظار لمدد تصل إلى خمسة أو ستة أشهر، حتى يتمكنوا من العودة إلى السجن الكبير في غزة.
لكن عشرات من العالقين قرروا الدخول في اعتصام مستمر أمام مقر السفارة الفلسطينية لدى القاهرة، حتى فتح المعبر وإعادتهم إلى غزة. غالبية هؤلاء أتوا إلى القاهرة للعلاج وإجراء عمليات جراحية، وانتهت مدة علاجهم، ونفدت أموالهم، فوجدوا أنفسهم بانتظار قرار سياسي ــ رئاسي مصري لفتح المعبر، فضلاً عن آلاف آخرين ينتظرون خارج مصر. الغضب يسيطر على المعتصمين أمام السفارة، ويقولون إن حياتهم توقفت على قرارات سياسية وأمنية لا دخل لهم بها، فضلاً عن صعوبة الأوضاع الإنسانية بعد نفاد أموالهم، إضافة إلى أن بعضهم طلاب أو لديه أبناء بدأت دراستهم في غزة ولا يزالون عالقين هنا. أحدهم يدعى كمال ترزي، وهو فلسطيني جاء إلى مصر لإجراء عملية جراحية. يقول غاضباً: «نحن مرضى عالقون نريد العودة إلى بيوتنا... ثلاثة أشهر هنا ومشكلة المعبر لا تحل، ولا نعرف ما دور السفارة... لماذا لا توفر لنا إقامة في سكن ما مثلاً حتى حل المشكلة؟». كذلك وفاء جودة، وهي أم لثلاثة طلاب بدأ عامهم الدراسي منذ أكثر من شهر. أتت إلى القاهرة لتزويج ابنتها بمصري ولم تستطع العودة إلى غزة حتى الآن. تقول: «الموت في ديارنا أكرم من بهدلتنا بالشوارع، لا بدنا فلوس ولا بدنا أي شي تاني، بس نعود إلى بلادنا».
يقول المعتصمون إن بعض الطلاب قدموا مقترحاً إلى السفارة بالعودة مع الحجاج أثناء فتح المعبر لهم قبل أقل من أسبوع، ولكن هذا لم يحدث، فقد عاد الحجاج وبقي العالقون.
رجل آخر وزوجته أتيا إلى مصر لإجراء عملية زرع كلى.

لم تقدّم السفارة الفلسطينية
إحصائية رسمية لعدد العالقين خارج غزة
أجريت العملية وبقي الزوجان في مصر يصارعان المرض وتكاليف العلاج والظروف الصعبة، فضلاً عن القلق على أربعة أبناء صغار لهم بقوا في غزة. أيضاً، سامية حمودة، مسنّة أتت في آب الماضي لإجراء جراحة في قدمها. تقول: «صار لنا شهرين هنا، خلصت مصارينا، بدنا نرجع، لا دخل لنا بالعلاقات السياسية، كل ما نريده هو أن نعود إلى بيوتنا».
على الصعيد الرسمي، قالت السفارة الفلسطينية إنها أجرت اتصالات مع الجهات المصرية الرسمية التي وعدت بفتح المعبر بعد الانتهاء من عودة الحجاج، فيما قدرت مصادر أن يكون ذلك بعد أسبوعين على أبعد تقدير. لكن مسؤولين في السفارة أبلغوا أن النيات لدى أطراف الأزمة مشتركة من أجل الحل، لكن «الفيصل في الأمر هو الوضع الميداني في سيناء، والطرق إلى المعبر، وهذا ما يحدد الوقت الأنسب لعودة العالقين». ولم تقدم السفارة إحصائية رسمية لعدد العالقين، لأنهم غير موجودين في القاهرة فقط، بل موزعون من العريش في جوار غزة، حتى عواصم أقصى العالم. وكان أمين السر «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، صائب عريقات، قد قال أول من أمس إن وفداً برئاسة رئيس السلطة محمود عباس سيتوجه قريباً إلى القاهرة لبحث سبل فتح معبر رفح.
ونقل عريقات أن «عباس طلب في لقائه الأخير مع (الرئيس) عبد الفتاح السيسي فتح المعبر، والجانب المصري تفهّم هذا المطلب». لكنه أضاف: «هناك ثابت أساسي لدى السلطة هو أنها لن تقبل بدولة من دون قطاع غزة، ولا دولة في غزة»، في إشارة إلى استمرار سيطرة «حماس» على القطاع. وفي السياق نفسه، أكد عضو «اللجنة التنفيذية»، زكريا الآغا، أن لجنة فلسطينية مختصة ستتوجه إلى القاهرة قريباً لوضع «آليات لفتح معبر رفح بشكل دائم»، بناءً على تفاهمات بين عباس والسيسي.
هذه التصريحات الإيجايبة للسلطة في ملف المعبر، يرى مراقبون أنها جاءت كاستحقاق لموافقة رام الله على مشروع الأحواض المائية التي غمرت الأنفاق بين مدينة رفح الفلسطينية والمصرية، وهو ما جعل «حماس» في وضع أكثر صعوبة، يبنى عليه قبولها تسليم معبر رفح.
وكانت وزارة الدخلية في غزة، التي تديرها «حماس»، قد لمحت قبل أيام إلى أن استمرار ضخ السلطات المصرية لكميات كبيرة من مياه البحر على طول الشريط الحدودي قد «يهدد بفقدان السيطرة الأمنية عليه». وقالت «الداخلية»، نهاية الأسبوع الماضي، إن «قوات الأمن الفلسطيني تواجه صعوبة في تحرك دوريّاتها وتأمين الحدود، جراء حدوث انهيارات عديدة في التربة، عقب استمرار ضخ المياه».