مليار نسمة من دون غذاء... لا التزامات حقيقيّة لمساعدتهمحسن شقراني
في يوم من الأيّام وضعت الأمم المتّحدة هدفاً كونياً يفيد بالقضاء على الجوع كلياً في العالم بحلول عام 2025. حقبات كثيرة مرّت وأزمات مختلفة عصفت بالعالم ولا يزال منحى الفقر والجوع عالمياً ينحو صعوداً. يوم أمس، اختتمت قمّة الجوع، التي استضافتها روما، أعمالها. النتيجة كانت ببساطة التعهّد بـ«إجراءات طارئة» لمواجهة النقص في تأمين المواد الغذائيّة على صعيد العالم. تلك الإجراءات جاءت ضمن استراتيجيّة كانت الدول الغنيّة قد تبنّتها في قمة مجموعة الثماني في إيطاليا في الصيف الماضي.
مسيرة متعثّرة
غير أنّ ملامح العمل لم تتبلور: لم يُذكر أي التزام مالي إضافي لتأمين ذلك الغذاء للبلدان الأكثر هشاشة، واكتفى «المجتمعون الأغنياء» بالتعهّد بتقديم مساعدات قيمتها 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
النقاشات كانت حادّة جدّاً في كواليس القمّة قبل بداياتها: الكثير على المحكّ ومجالات المناورة لا تنفكّ تضيق بفعل السياسات الخاطئة. فعلى الرغم من التعهّدات الكثيرة والمتشعّبة، تجاوز عدد الجياع عالمياً مليار نسمة، أي سدس البشريّة.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مسيرة القضاء على الفقر كانت تسير بمنحى إيجابي وإن بوتيرة بطيئة. فبين عامي 1979 و2003 تراجع معدّل الجوع عالمياً من 25% إلى أقلّ من 16%. غير أنّ الأزمة الماليّة العالميّة والتباطؤ الاقتصادي أخيراً أعادا النسبة إلى 20%.
اليأس اللبناني
وإن كانت المسائل عالمياً تسير وفقاً لمنحى متفاوت بحسب المراحل الزمنيّة وزخم المساعدات الغذائيّة، إلا أن اليأس يزداد في لبنان من واقع تغيب فيه الخطط الاجتماعيّة ويتمّ التعويل في كلّ مرحلة على تسويات ماليّة وحسنات ترفع المساعدات الاجتماعيّة بنسب لا تتعدّى بالحدّ الأقصى 2% (وفقاً للأرقام التي تتضمّنها الحسابات السنويّة التي تصدرها وزارة المال).
ووفقاً لتقرير «الأهداف الإنمائية للألفية تقرير لبنان 2008» الذي نشرته الأمم المتّحدة في أيلول الماضي، تبلغ نسبة الفقر في لبنان 28.5%. وهي زادت قليلاً بواقع 0.5 نقطة مئويّة، مقارنة بالأرقام المسجّلة في عام 2004.
ولكن «هذه الأرقام غير دقيقة»، بحسب وزير الشؤون الاجتماعيّة السابق ماريو عون، الذي أشار في حديث إلى «الأخبار» إلى أنّ «في الوزارة دراسات كثيرة عن الفقر يقدّر بعضها نسبة الفقراء بأكثر من 48% وفقاً للتصنيفات الأكثر دقّة»، ويوضح عون أنّه في «الدراسات التي أعددناها مع برنامج الأمم المتّحدة للتنمية (UNDP) كنّا نشير إلى نسب تقارب 36%».
وهذه النسب لا تعكس عدد الجياع في لبنان، لأنّ هناك فقراء يستطيعون تأمين الحدّ الأدنى من الغذاء. أمّا الذين يقعون تحت خط الفقر الأدنى فهم الذين لا يستطيعون تأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم، ويذكّر عون بأنّ نسبتهم تصل إلى 8%.
والخطير هو أنّ هذا الرقم بقي ثابتاً بين عامي 2004 و2008 وفقاًَ لدراسات وزارة الشؤون الاجتماعيّة والأمم المتّحدة، ما يعني أنّه لم يتمّ تحقيق تقدّم خلال 5 سنوات. وقد يكون سبب ذلك الأحداث الصعبة التي مرّ بها لبنان، وأيضاً طبيعة النظام القائم على نموّ حيادي غير موجّه صوب التنمية العادلة.
وعلى أيّ حال، فإنّ المؤشّرات الاجتماعيّة والمعيشيّة الصعبة التي يغطّيها في كثير من الأحيان المال السياسي والأموال الوافدة من تحويلات المغتربين والإنفاق السياحي الذي يفيد منه كلّ من يعمل في قطاع الخدمات في ظلّ إهمال القطاعات الإنتاجيّة الحقيقيّة، تبقى رهن المساومات، على أمل أن تكون الحكومة الجديدة ممهّدة لإجراءات جذريّة لتصويب النموّ نحو سكّة أكثر اجتماعيّة.
الاشتراك في المصيبة
لكن هناك مسألة مشتركة بين لبنان والعالم هي أنّه «ليس هناك موعد محدّد للقضاء على الجوع» أي أنّ الجياع لا يعلمون متى تتوالف المعطيات لكي يسدّون رمقهم. وهو ما وصفه ممثّل منظّمة «Oxfam»، مات غرينغر، في حديث إلى وكالة «France Press»، بأنّه «ضياع فرصة هائلة».
وكان ممثّلو البلدان الـ 192 المشاركة في القمّة، وبينهم 60 زعيماً ورئيس حكومة ورئيساً، قد فشلوا في التوصّل إلى اتفاق جذري قبل بدء القمّة. الصراع طبعاً كان بين البلدان الفقيرة والبلدان الغنيّة حول اقتراح أساسي لرفع حصّة الزراعة من المساعدات الرسميّة الممنوحة دولياً. فتلك الحصّة كانت قد تراجعت إلى 3.8% فقط من الرقم الإجمالي في عام 2006، مقارنة مع 17% سُجّلت في عام 1980. ورفضت البلدان الغنيّة الاقتراح الأساسي الذي قدّمته منظّمة الغذاء والزراعة، «FAO»، والقاضي بإعادة النسبة إلى 17% خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يوضح مستوى التعنّت الموجود وتجاهل الأوضاع الصعبة التي تعصف بالمهمّشين حول العالم، الذين بالمناسبة كانوا الأكثر تأثّراً بالأزمة الماليّة العالميّة الأخيرة التي لم يكن لهم أي دور في اندلاعها.
وفي إطار ممارسة الضغوط على المشاركين، افتتح الأمين العام للأمم المتّحدة، بان كي مون، القمّة في مقرّ وكالة الـ«FAO»، داعياً إلى «رؤية كونيّة واحدة» لمواجهة الجوع عالمياً، فـ«أزمة الغذاء اليوم هي نداء تحذيري للغد».
وذكّر بان بالأرقام الصعبة التي تواجه قيادات العالم في المستقبل القريب. وقال إنّ عدد سكّان العالم سيصل في عام 2050 إلى 9 مليارات نسمة، و«نعرف أنّ علينا أن نرفع حجم إنتاجنا الغذائي بنسبة 70%». وفي هذا الصدد ربط مسألة الإنتاج الغذائي بـ«التغيّرات المناخيّة». فهذان الموضوعان «مرتبطان» لأنّه «لا يمكن أن يكون هناك أمن غذائي من دون أمن مناخي».
ولكن للأسف، في بعض البلدان هناك انعدام للأمن من كل الاتجاهات. تلك البلدان هي الأكثر هشاشة وعليها أن تبذل جهوداً مضاعفة في ظلّ تجاهل أوضاعها والضغط عليها لدفع فاتورة التقلّبات المناخيّة.
على تلك البلدان، ولبنان في مجموعتها، أن تعيد إنتاج سياساتها الاجتماعيّة أو أن تصوغها من الصفر، لأنّ الجوع لا يرحم أحداً.


44 مليار دولار

هو حجم المساعدات الزراعية التي تطالب منظّمة الغذاء والزراعة (FAO) بأن تُقدّم سنوياً خلال العقود المقبلة لمواجهة مشكلة نقص الغذاء. والبلدان المشاركة في قمّة روما لم تتبنّ هذا الاقتراح بضغط من البلدان الغنيّة، على الرغم من الالتزام باستراتيجيّة حلّ


صيام ضيوف وغضب البابا