لم تكن مباراة مصر والجزائر مجرّد لعبة كرة قدّم. السياسة تدخّلت فيها بعمق، واستدعت دبلوماسية مكّوكيّة أحدثت اتصالاً نادراً بين الرئيس المصري وأمير قطر
القاهرة ــ الأخبار
«حدث تصعيد، واستطعنا أن نحاصر تأثيره». لم يصدّق الخبير السياسي ما يسمعه على لسان مساعد وزير الخارجية المصري، السفير حسام زكي، على هاتف أحد البرامج التلفزيونية، عشيّة مباراة مصر والجزائر، التي وصفت بأوصاف منها «التاريخية» و“الموقعة” و“المعركة الفاصلة”.
لم يصدّق السياسي أن التعابير التي كان يسمعها في أزمات تتعلق بالخلافات في الرؤى السياسية، أو تضارب المصالح، أو غيرها من الأسباب التقليدية للتصعيد السياسي ستكون مباراة كرة قدم بين “أشقاء” في العروبة.
“التصعيد السياسي” احتدم بعد حادث “الطوبة والأوتوبيس”، وهو المسمّى المحليّ للواقعة التي اتهم فيها الفريق الجزائري الجمهور المصري بإلقاء الحجارة على الحافلة، التي أقلّت الفريق من المطار إلى فندق إقامته.
السلطات المصرية قالت إن الحافلة حُطّمت من الداخل، وبواسطة أعضاء في الفريق الجزائري، الذي قال مسؤولوه إن خمسة لاعبين أصيبوا في “الحادث”، الذي صوّرته كاميرات التلفون المحمول لمشجّعين شباب قدّموا الفيلم كمستند في التحقيق الذي أجرته “الفيفا”.
الحادث صُعّد سياسياً، ووصل إلى مستوى الهواتف الرئاسية. وقالت مصادر مطّلعة، لـ “الأخبار”، إن مبارك تلقّى اتصالين هاتفيّين (لم يُعلنا) من نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على خلفية واقعة الحافلة، فيما أجرى اتصالاً نادراً مع أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، قالت مصادر مصرية إنه تركّز على شكوى رئاسية من محاولات قناة “الجزيرة” التأثير في المباراة، وتصعيد التوتر في العلاقات المصرية ـــــ الجزائرية، في إشارة إلى المساحة التي أفردتها القناة للحديث عن المباراة، والأحداث التي سبقتها.
هكذا، أعادت الكرة قنوات مغلقة منذ ساءت العلاقات المصرية ـــــ القطرية أخيراً، ولم يتبادل الزعيمان أي رسائل أو اتصالات علنية منذ تغيّب مبارك عن حضور القمة العربية التي عقدت في الدوحة العام الماضي. لكن مباراة كرة قدم كانت كفيلة بإعادة الحرارة إلى هواتف الزعيمين المصري والقطري.
السلطات الجزائرية فرضت إجراءات أمن مشدّدة حول المصالح والشركات والسفارة والجالية المصرية
من جهته، شكا سفير الجزائر في القاهرة، عبد القادر حجار، من تعرض الحافلات التي تقل الجمهور المرافق للفريق الجزائري لكرة القدم لإلقاء الحجارة. جهات مصرية تعاملت على أن السفير “في حالة انفعالية غريبة عن مواقفه المتّزنة المعروفة وصداقاته في المجتمع المصري”.
حجار انتقد تصفيق المشجّعين المصريين وهتافهم وقت إذاعة النشيد الوطني الجزائري، وتساءل: هل يعقل أن تصدر من القاهرة هتافات ضد نشيد الشهداء والثورة في الجزائر، التي كانت تنطلق منها إذاعة صوت العرب سابقاً؟ علماً بأن ملحّن النشيد بالمناسبة هو الموسيقار المصري محمد فوزي. ولفت إلى أنه في المباراة التي أقيمت في الجزائر، طلبت السلطات المختصة من مشجعي الفريق الجزائري عبر الميكروفونات احترام النشيد المصري.
حجار قال إن اتصالات جرت على أعلى مستوى بين كبار المسؤولين في مصر والجزائر لتنسيق المواقف، وتأكيد أهمية الحفاظ على العلاقات الأخوية بين الطرفين، بغض النظر عن نتيجة المباراة. وكشف أنه أجرى اتصالات مع رئيس ديوان الرئيس المصري الدكتور زكريا عزمي تتعلّق بتفاصيل الواقعة. وقال “أخطأ من حاول تصوير المباراة على أنها معركة أو حرب، هذان الشعبان (المصري والجزائري) لديهما علاقات تاريخية عريقة ومصالح مشتركة”. وأشار إلى أن السلطات الجزائرية فرضت إجراءات أمن مشدّدة حول المصالح والشركات والسفارة والجالية المصرية في الجزائر خشية تعرضها لاعتداء انتقامي، ردّاً على ما وقع في القاهرة.
لكن الأخبار المنقولة من الجزائر بعد المباراة تحدّثت عن تحرّشات بالمصريين المقيمين هناك. كما تحدّث بعض المصريين في الجزائر عبر الهاتف مع برامج فضائية، أكّدوا لها أنهم يخافون من مغادرة منازلهم خوفاً من حالة الهياج التي انتابت المشجعين الجزائريين بعد الخسارة.
وأشارت المصادر المصرية إلى أن عدداً من مشجّعي الفريق الجزائري أثاروا ضجة في صالة مطار القاهرة قبل مغادرتها، لافتة إلى أن حالة الاستفزاز المتواصلة منذ فترة بين جماهير الفريقين وصلت إلى مستويات في التشويه التاريخي غير المسبوق، بدأت من عناصر جزائريين وردّ عليها عناصر مصريّون.
السياسي المخضرم عندما سمع حكاية المشجعة الفاتنة التي ركّزت عليها الكاميرات وهي تشير إشارات بذيئة بذراعها للجمهور المصري أعجبته اللفتة، وقال: “هناك فتنة في كرة القدم... فتنة متوحشة”.