جنباً إلى جنب، تسير مياه الشرب مع مياه الصرف الصحي في مخيم عين الحلوة، فتصل إلى بيوت اللاجئين خليطاً ملوثاً يكاد لا يصلح لتنظيف أرضيّة هذه البيوت. ومع ذلك، لا يجد السكان مفراً من شربها، لعدم توافر مصدر بديل
سوزان هاشم
ماذا يحتوي كوب مياه الشفة في بيوت مخيم عين الحلوة؟ لن يجد أبناء المخيّم صعوبة في الإجابة عن السؤال، فهم يعرفون تماماً أن كوب مياههم «شي بقرّف». أما عن هذا «القرف»، فيلفت أحد سكان المخيّم محمد حسين إلى أنه بعدما «باتت طعمة المياه مقززة، لجأت إلى استخدام آلة للتنقية وإجراء فحص مخبري». وقد تبين لحسين أن «المياه التي كنت أشربها تحتوي على تراب ورمل وصدأ..». وأكثر من ذلك، تبيّن أن «آلام معدتي المزمنة سببها هذه المياه التي يشربها».
لم يكن حسين الوحيد الذي اكتشف التلوّث في مياه الشفة هناك، فقد أكّدت اللجان الشعبية في المخيم النتيجة التي وصل إليها «برجوازي» المخيم، استناداً إلى الفحص المخبري الذي أجرته في أحد مستشفيات صيدا. وقد أظهر هذا الفحص «وجود تلوث في المياه يعود سببه إلى شبكة البنى التحتية المنشأة على نحو خاطئ، إذ إن أنبوبي مياه الشفة والصرف الصحي متلاصقان في الحفرة نفسها»، يقول عضو اللجنة الشعبية فؤاد عثمان. ويشير عثمان إلى أن «هذه الأنابيب اهترت بسبب قدمها، فتسللت مياه الصرف الصحي إلى مياه الشرب، لتصل إلى منازل اللاجئين في المخيم ملوثة».
ورغم هذه التأكيدات وما تراه العين المجردة أيضاً من «أشكال وألوان غريبة» في كوب المياه، إلا أن معظم أبناء المخيم يشربونها على عللها. والسبب؟ «شو بدنا نلحق نشتري مي لنشتري»، يقول أبو زياد الرزاق، مشيراً إلى عدم قدرته المادية على شراء مياه معبّأة، «وخصوصاً أن العيلة كبيرة، لذلك ليس أمامنا سوى التأقلم مع الأمر الواقع، بكل شوائبه». هكذا إذاً، بات تأمين مياه الشرب المعقّمة في عين الحلوة مقتصراً إما على ميسوري الحال وهم قلة في المخيم، وإما على المريض «المحكوم على أمره بشرائها». وتلك هي حال أم وائل التي تضطر إلى شراء المياه بعد إصابتها بجرثومة في الكلى، وبعدما منعها الطبيب من «الشرب من مياه الحنفية». تشرب أم وائل مياهاً معقّمة، فيما يُحكم على أفراد أسرتها الشرب «من الحنفيّة ولو كانت مياهاً غير صالحة». ولأن الأوساخ باتت ظاهرة في المياه، تعمد بعض العائلات إلى غلي المياه قبل استعمالها للشرب. هذا ما تقوم به يسرى سليمان دائماً، ولو أنها على يقين بأن الوسيلة غير ناجعة كلياً، «فالأوساخ تظل مترسبة في المياه، بيد أن الظروف المادية السيئة تضطرنا إلى فعل هذا».
وفي هذا الإطار، يشير الطبيب المعاين في إحدى عيادات المخيم، سمير حمد، إلى أنه «بسبب نوعية المياه في المخيم، زادت أمراض الكلى والجهاز الهضمي». ويضيف حمد «إذا كانت الجداول الإحصائية عن أعداد المصابين بهذه الأمراض غائبة في المخيم، إلا أنه يمكننا التأكيد، من خلال معاينة المرضى، أن الغالبية يشكون من أمراض الكلى».


الهبة في غير مكانها

يتخوف مصدر في قسم الصحة البيئية في وكالة «الأونروا» (رفض الكشف عن اسمه) من خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه في عين الحلوة، ما يهدد صحة اللاجئ ويعرضه للإصابة بأمراض مزمنة. وأشار المصدر إلى أن «جذور المشكلة تعود إلى شبكة البنى التحتية المنتهية صلاحيتها، بما فيها إمدادات مياه الشفة والصرف الصحي المهترئة أساساً، ما يستدعي إعادة تأهيلها». وفي هذا الإطار، كشف أن «السعودية كانت قد تبرعت بمبلغ من المال من أجل إنجاز هذا المشروع في عين الحلوة، بيد أن الأونروا صرفت هذا المبلغ في مشاريع مختلفة في مخيمات أخرى».