strong>الطلب يرتفع بالتزامن مع ازدياد المهاجرين... والأسعار كذلك50% من مالكي العقارات في لبنان هم من المغتربين. هذا ما يمكن استنتاجه من المعنيين في القطاع العقاري الذين يشددون على أن النسبة الباقية من العقارات تتوزع على الرعايا العرب واللبنانيين المقيمين الأثرياء أو الذين يقترضون ثمن المسكن من المصارف، فالمغتربون يرفعون الطلب، والمقيمون يراقبون «العنزة» تطير مع مرقدها!

رشا أبو زكي
بيروت أصبحت مشبعة بالمساكن، والعقارات الصالحة للبناء لم تعد تتعدى 200 عقار فقط لا غير. الظاهرة نفسها تتمدد إلى المتن الجنوبي والشمالي، وأسعار الوحدات السكنية في هذه المناطق ارتفعت 10 أضعاف منذ عام 2005 حتى اليوم، فيما ارتفعت بين ضعفين و7 أضعاف في المناطق الأخرى. أما الظاهرة الحقيقية، فهي أن الفورة العقارية في الحجم والسعر ليست ناتجة من طلب داخلي، فالتفاوت الصارخ ما بين متوسط الدخل الفردي للمواطنين وأسعار الشقق السكنية جعل من الاستحالة أن يشتري معظم اللبنانيين المقيمين منازل لهم، إذ إن نصف مالكي هذه العقارات والأبنية هم من اللبنانيين المقيمين في الخارج، يشترون العقارات والشقق للمضاربة غالباً، فأصبح أكثر من 140 ألف شقة سكنية مملوكة وشاغرة حتى نهاية 2009، بحيث يغلقونها بانتظار ارتفاع الأسعار العقارية وإجراء صفقة جيدة، فيما عدد آخر منهم يؤجرونها. ويلاحظ الخبير الاقتصادي، رئيس مركز البحوث والاستشارات، كمال حمدان، أن ما بين 50% إلى 60% من مالكي العقارات في بيروت هم من المغتربين، ويستند في ذلك إلى إفادات العاملين في القطاع العقاري. وفي الوقت نفسه يشير الخبير العقاري ومدير شركة كونتوار الأمانة العقارية وديع كنعان إلى أن نحو 50% من زبائنه هم كذلك من المغتربين، فيما يبقى اللبنانيون المقيمون والعاملون في لبنان محرومين امتلاك شقة، بعضهم يستدين من المصارف، والبعض الآخر يصبح مشروع مهاجر... وتدور السبحة من جديد!
تشير دراسات الإحصاء المركزي إلى أن عدد الوحدات السكنية وصل في 2005 إلى 645 ألف وحدة، وارتفع عدد الوحدات بحسب ما يقول رئيس نقابة تجار ومنشئي الأبنية إيلي صوما لـ«الأخبار» نحو 68 ألف وحدة سكنية من 2005 (17 ألف وحدة سنوياً) حتى نهاية 2009، وبذلك أصبح مجموع الوحدات السكنية حالياً نحو 713 ألف وحدة سكنية. في المقابل وصل عدد الوحدات السكنية الشاغرة والمغلقة في جميع المناطق اللبنانية في 2005 إلى نحو 87 ألف وحدة سكنية، أي ما يمثّل 13.7% من الوحدات السكنية الإجمالية، ويتوقع أن تكون الوحدات السكنية الشاغرة قد ارتفعت حتى 2009 إلى أكثر من 140 ألف وحدة سكنية، بحسب المراقبين في السوق.
وقد ترافق ارتفاع عدد الوحدات السكنية بين 2005 و2009 مع تطور لافت في عدد المهاجرين، إذ يشير مسح المعطيات الإحصائية للسكان والمساكن الذي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية بين 1997 و2004 إلى أن عدد المهاجرين هو نحو 44 ألف لبناني سنوياً، بيد أن هذا العدد ارتفع منذ 2005 إلى ما بين 60 ألف مهاجر و65 ألفاً سنوياً، بحسب مقدّمة المسح نفسه.
ونتيجة ترابط هذه المؤشرات، وتصاعد مداخيل اللبنانيين العاملين في الخارج، واتجاه معظم المهاجرين نحو التوظيف في العقارات اللبنانية، ارتفع الطلب على السوق العقارية بوتيرة متسارعة، وأصبحت أسعار العقارات تتضاعف، إذ يشير كنعان إلى أن المغترب اللبناني يُسهم في نمو القطاع العقاري وخصوصاً المبنيّ، فهو يشتري شققاً ويزيد الطلب، ما يدفع التجار إلى زيادة المساحات المبنية، وبالتالي الأسعار.
الأجانب يتحايلون عبر نظام الشركات لزيادة أملاكهم في لبنان
وتظهر دراسة أجرتها مؤسسة كونتوار الأمانة في 2005 أن أسعار العقارات سترتفع 10 أضعاف حتى عام 2011. ويشرح كنعان أن هذه الدراسة أثبتت مع الوقت صحّة توقّعاتها، إذ ارتفع سعر العقار 10 أضعاف منذ عام 2005 في مناطق (خارج بيروت) المتن، كسروان، جبيل، البترون، فقرا ـــــ كفرذبيان، البياضة ـــــ المطيلب، الأشرفية وغيرها. كذلك ارتفعت الأسعار حتى الآن 5 أضعاف في حالات وساحل علما وغيرها. لافتاً إلى أن المغتربين مثّلوا 50% من زبائن مؤسسته في صيف 2009، وهؤلاء ليسوا فقط مهاجرين إلى الخليج، بل عدد كبير منهم مقيمون في كندا وفرنسا ومصر... ويشرح أن التسليفات المصرفية أسهمت في تطور الطلب.
الحلول بالنسبة إلى حمدان ممكنة «في ظل هذا الخليط الجيد المكوّن للحكومة الجديدة»، ويشرح أنه خلال متابعته للسوق العقارية، تبيّن أنه بين 10 شقق تباع في بيروت الكبرى، يملك اللبنانيون غير المقيمين في لبنان ما بين 5 إلى 6 شقق منها. أما الشقق الباقية، فتتوزع بين المقيمين والرعايا العرب.
وفيما تُعَدّ المدن الكبرى مركز الحركة الاقتصادية، يضطر الجيل الشاب إلى التملك خارج هذه المناطق، لتستقر مكانهم مبانٍ خالية يملكها الرعايا العرب والمغتربون. ويكشف عن ظاهرة لم يسلط الكثيرون الضوء عليها، تتعلق بإنشاء المجمّعات التجارية والمكاتب بعد هدم الأبنية السكنية، بحيث تُخلى مبانٍ فيها عشرات الأسر في.
وهذه الظاهرة، بحسب حمدان، تُنذر بتحولات اجتماعيةً واقتصادية وسكانية تطال المدن الكبرى.
في هذا الإطار، يقول عضو نقابة المهندسين، توفيق سنان، إن العقارات الصالحة للبناء في بيروت لا تتعدى 200 عقار، وبالتالي أصبحت هذه السلعة نادرة، ما يدفع الأسعار صعوداً ويحوّل العرض والطلب نحو المناطق المحيطة التي ترتفع الأسعار فيها أيضاً، وهكذا دواليك.
ويؤكد صوما أنه لم يعد هناك إمكان لإنشاء أي مبنى جديد في بيروت إلا بعد هدم مبنى آخر.
لكن لماذا لا يُعطى اللبنانيون المقيمون حق شراء المنازل؟ ولماذا لا يستطيعون منافسة المغتربين والرعايا العرب على «مرقد عنزة»؟ يشدد حمدان على أنّ من الواضح أنّ مستوى دخل اللبناني المقيم لم يعد يتناسب بأي معيار مع ارتفاع أسعار العقارات في بيروت الكبرى والمناطق المحيطة مثل برمانا وعرمون وبشامون وبعبدات وصولاً إلى ضبية. والمفجع أن الدولة لا تستفيد من الفورة العقارية بعكس معظم دول العالم، إذ إن الضريبة على التحسين العقاري غير موجودة حتى الآن، علماً بأنها تعزز فرص عدالة أكبر في السوق السكنية بين المستفيدين من الريع العقاري من جهة وأصحاب المداخيل المتوسطة والمتدنية من جهة أخرى، لا بل إن فرض ضريبة عقارية من شأنه أن يدخل في أهداف السياسة السكانية للإيفاء بحاجات الفئات الاجتماعية، في ظل بنية متحيزة في النظام الضريبي المتبع... ويشير إلى تخطي نسبة تملك الأجانب المحددة بـ 3%، إذ إن الأجانب يتحايلون عبر نظام الشركات لزيادة أملاكهم في لبنان، وهنا يجب ضبط هذه الممارسات.


40 ألف وحدة سكنية

هو عدد الوحدات السكنية الثانوية التي سجلها الإحصاء المركزي في عام 2005، بحيث يتملك عدد من المغتربين وأصحاب المداخيل المرتفعة أكثر من منزل، ومن المتوقع أن يكون هذا العدد قد ارتفع بنسبة كبيرة في عام 2009


إنه ليس ارتفاعاً!