6 آلاف حالة منذ بداية الغزو نصفها انتهى إلى... القتل بغداد ــ زيد الزبيدي
لم تكد تمضي أسابيع على بدء العام الدراسي الجديد في العراق، حتى أطلت من جديد مشكلة خطف الأطفال، وخصوصاً تلاميذ المدارس، لتتزامن مع المخاوف من انتشار وباء أنفلونزا الخنازير، واستمرار مسلسل العبوات الناسفة والسيارات المفخخة. قلق أصبح يسيطر على الجميع؛ هيئات تدريسية وأولياء أمور الطلبة، مع ظهور تقارير دولية تشير إلى ازدياد حالات الخطف في العراق، ووصولها خلال العام الحالي فقط إلى نحو 900 حالة، حسب بيان لصندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (يونيسف).
ولاحظت وكالة «نينا» للأنباء أن هذا القلق يتجسد بوجود عدد هائل من السيارات والعائلات أمام أبواب المدارس، كلها تنتظر أبناءها، لاصطحابهم بأمان إلى بيوتهم، بينما تضطر العائلات التي لا تملك سيارات إلى المشاركة في «خطوط نقل» بالأجرة، لإيصال أبنائها، وخصوصاً الطالبات.
وتتفق غالبيّة المستطلعين على أن هشاشة الوضع الأمني، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على وضع حد لحالات الخطف، والغموض الذي يحيط بنتائج التحقيقات في حوادث كهذه، وعدم معرفة العقوبة التي تصدرها المحاكم بحق الخاطف، كلها جعلت العائلات تلجأ إلى عدم ترك أبنائها للأقدار.
وتقول «اليونيسف»، في بيانها: «إن عدداً من الأطفال قتلوا، لأنهم على ما يبدو تعرفوا إلى خاطفيهم، وأطلق سراح آخرين بدفع فدية، وغالباً ما تعلن السلطات الأمنية اعتقال عصابات تقول إنها متخصصة بالاختطاف، لكن الرأي العام لا يعرف تفاصيل العمليات التي تنفذها هذه العصابات، وإلى أي الجهات تنتمي».
إلا أن مسؤولاً أمنياً رفيع المستوى في وزارة الداخلية قال في تصريحات صحافية إن «عدد عمليات الخطف التي استهدفت الأطفال في البلاد خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغ 177»، وهو خُمس تقديرات المنظمة الدولية.
وبحسب قول هذا المسؤول، فإن عدد الأطفال المخطوفين خلال الأشهر التسعة الأولى، في بغداد وحدها، بلغ 72 طفلاً، لكنه أقر بعدم وجود أرقام عن عمليات الاختطاف غير المسجلة.


265 طفلاً تعرضوا للاختطاف في العراق منذ بداية هذه السنة

ويشير تقرير صدر أخيراً عن لجنة حقوق الإنسان العراقية إلى أن أكثر من 6 آلاف حالة اختطاف للأطفال حصلت في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، فيما تعرض نصف المخطوفين للقتل.
كذلك يذكر تقرير أعدته صحيفة «التايمز» البريطانية أن 265 طفلاً تعرضوا للاختطاف في العراق منذ بداية هذه السنة، ولم تتمكن الشرطة من إنقاذ سوى نسبة 10 في المئة منهم.
ويرى كثير من المراقبين أنه على الرغم من تراجع موجة العنف قليلاً في العراق، إلا أن ظاهرة اختطاف الأطفال أصبحت أكثر تنامياً، وهناك حالات رُصدت في مناطق متفرقة من بغداد، ولم تُتخذ إجراءات بصددها، أو لم يعرف جزاء الخاطفين بعد القبض عليهم.
ويقول أبو عبد الله، وهو مدرس من حيّ المنصور في بغداد «إن الطالبة باتت تتخوف من حالات الخطف التي تراها، لكونها أكثر تأثراً بكلام المجتمع، وهناك من يتهمها بالتواطؤ مع خاطفيها، وهذا أمر صعب في مجتمعنا العراقي، وقد يقضي على مستقبل الفتاة في الزواج».
وتشير المعلمة إفيان دخو إلى حادثة خطف حصلت لإحدى طالباتها أمام باب المدرسة، لكون والدها يمتلك شركة مقاولات، وجرى ابتزازه كي يدفع 40 ألف دولار لإنقاذ ابنته من خاطفيها، الذين لم تعرف هويتهم حتى هذه اللحظة.
إما رفيدة عز، التي تتولّى إدارة مدرسة، فترى «أن حالات الخطف لا تقتصر على طلاب المدارس، بل تعدت ذلك لتصل إلى حد خطف أطفال من المستشفيات، وإعطائهم إلى نساء من أجل التسول، إضافة إلى مسألة الثأر، لكنها أقل شيوعاً». وتستطرد قائلة «إن عدم

تركيز الأجهزة الأمنية على حوادث التفجيرات جعلها تهمل جرائم الخطف، ما شجّع الظاهرة


قدرة الأجهزة الأمنية على السيطرة، شجع عصابات الخطف والجريمة على العمل على نحو واضح وقوي». وتتساءل: «هل أضحّي بطفلي أم أضحّي بمالي؟ من المؤكد إنني سأضحّي بالمال للحفاظ على أولادي».
وتبدي رنا عزيز (ربة منزل) قلقها لأن لديها صبياً وبنتاً في مرحلة الابتدائية، وتفكر في أن تجعلهما يتركان الدراسة هذه السنة، لهذا السبب، وكذلك للأمراض المتفشية والمصاريف الباهظة، وأهمها النقل.
وترى أم عبد الله أن «ظاهرة الخطف لا تقتصر على الأغنياء، بل باتت تشمل العائلات الفقيرة، وهناك عصابات خطف تدمج الأطفال في مؤسسات للتسول بعد خطفهم، ولم نرَ مَن يتصدى لها، سواء من الحكومة أو قوات الأمن».
وتشير سلمى عبد المطلب، إلى أن لديها طفلة وحيدة، وتضطر لإلغاء جميع ارتباطاتها كي تتفرغ لإيصالها إلى المدرسة ومن ثم إعادتها، مع معاناة الانتظار أمام المدرسة لحين انتهاء الدوام.
ويعتقد بعض المراقبين أن من أسباب انتشار ظاهرة خطف الأطفال، تركيز الأجهزة الأمنية على حوادث التفجيرات وإهمالها جرائم الخطف، ويحذرون من أن استفحال هذه الظاهرة سيؤدي إلى خلل خطير في المؤسسة التعليمية، وربما غيرها.
ويؤكد هؤلاء المراقبون ضرورة تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الاختطاف إلى أقصى حد ممكن، وإطلاع الرأي العام عليها وعلى مرتكبيها، حتى لا تبقى أعين العراقيين تدور حول صور لأطفال مفقودين، ملصقة في الشوارع.

(رويترز)