رشا أبو زكي يواجه لبنان قبل انضمامه إلى منظمة التجارة العالمية عدداً كبيراً من الإجراءات التي تفرضها الدول «الغنية» على صادراته، فكيف بعد انضمامه؟ ومن سيحمي القطاعات الإنتاجية في ظل حكومة لا تتردد في الإعلان يومياً عن التزامها بكل شروط الانضمام مهما كانت نتائجها كارثية؟
240 إجراءً حمائياً تطبقها حكومات الدول المتقدمة على صادرات الدول العربية (ومن ضمنها لبنان) حتى 11 أيلول من العام الجاري، وفي المقابل لم تقم الدول العربية بإجراءات ذات أثر مماثل بهدف حماية منتجاتها الوطنية، ولم تتقدم ولو بشكوى واحدة ضد الحكومات التي تفرض هذه القيود، على الرغم من إمكان القيام بذلك لدى جهاز تسوية المنازعات التابع للمنظمة! وتشير الدراسات إلى أن لبنان يحتل المرتبة السابعة بين الدول العربية التي تأثرت تأثراً مباشراً بالإجراءات الحمائية التي فرضتها الدول الثرية، فيما احتل المرتبة الثانية بين الدول غير الأعضاء في المنظمة (بعد سوريا)، وهذه المؤشرات التي قدمتها ممثلة الاتحاد العام للغرف العربية علا الصيداني خلال اجتماع عقد أمس تحت عنوان «تحضير الدول العربية للمؤتمر الوزاري السابع لمنظمة التجارة العالمية»، لم تقلل من الدهشة التي أصابت عدداً من الحاضرين بعدما ألقى وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي عبر ممثله مالك عاصي كلمته التي حاولت قطع الطريق مسبقاً على كل من يقول إن لبنان ليس حاضراً للانضمام إلى WTO، فقال إن «لبنان اعتمد منذ ما يقارب العقدين مقاربة تنموية أولت التكامل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لعملية التنمية... ولبنان سينهي ملفات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية قريباً»! فابتسم أحد المجتمعين هامساً «السوء في التوصيف يتعدى السوء الناتج من فعل الانضمام»!
فقد بلغ عدد الإجراءات الحمائية التي طبقتها الدول العربية أو التي تنوي تطبيقها كردة فعل على الأزمة المالية الراهنة 15 إجراءً فقط، تمثّل الإجراءات التمييزية 12 إجراءً منها، والإجراءات المرتبطة بتحرير التجارة 3 إجراءات! وتشرح الصيداني أن الإجراءات التمييزية التي فرضتها الدول المتقدمة تمثّل حوالى 95% من إجمالي الإجراءات الحمائية المطبقة ضد الصادرات العربية، فيما مثّلت الإجراءات المتعلقة بتحرير التجارة الحصة الباقية منها، لافتة إلى أن صادرات دولة الإمارات واجهت الكمّ الأكبر من هذه الإجراءات الحمائية، تلتها المملكة العربية السعودية، ثم سلطنة عمان، فالأردن، الكويت، سوريا، لبنان، البحرين، قطر، ومن ثم العراق.
وتمادي الدول المتقدمة في كبح صادرات الدول العربية إلى أسواقها، في مقابل تحويل السوق العربية إلى مستودع حيوي لمنتجاتها، لم يقابله ولا حتى اعتراض من قبل أيّ من الدول العربية لدى جهاز تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية. إذ تشير بيانات المنظمة إلى أن الفترة الممتدة ما بين عامي 1995 و2009 شهدت تقديم 400 اعتراض من الدول المختلفة إلى جهاز تسوية المنازعات فيها، وتمثّل الاعتراضات التي تقدمت بها الدول النامية حوالى 45% منها، واستجابت لنحو 42% منها. لكن خلال الفترة المذكورة لم تتقدم أي دولة عربية باعتراض لدى جهاز تسوية المنازعات. وهنا تشير الصيداني إلى أن هذه الظاهرة تطرح تساؤلات عدة عن كفاءة تعامل الدول العربية مع المشاكل والعقبات التي تطرأ على حركة التجارة الخارجية في مجالي الاستيراد والتصدير، ومدى فعالية وجدوى الانفتاح التجاري والاقتصادي على العالم مع متطلبات المنتجين والمصدرين والمستهلكين المحليين في الدول العربية.
أما كلمة وزارة الاقتصاد التي ألقاها عاصي فكانت مستغربة جداً، فقد لفت إلى أن العالم لا يزال يواجه آثار الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي تعدّ الأسوأ على نطاق العالم وما نتج منها من انكماش اقتصادي، وقال «أثبتت هذه الأزمة ضرورة إضفاء المزيد من الاستقرار والعدالة على الاقتصاد العالمي من دون المساس بأسسه المبنية على آليات السوق والمنافسة والتبادل التجاري والمالي، بما من شأنه أن يتيح لجميع الشعوب من دون تمييز الاستفادة أكثر من ثمار النظام التجاري المتعدد الأطراف».
وينطلق عاصي من «نظرة استشرافية للمستقبل (قامت بها الوزارة طبعاً) وقراءة مبكرة للمتغيرات وتفاعل مع التحولات العميقة والمتسارعة التي يشهدها العالم»، ليبشّر بأن «لبنان اعتمد منذ ما يقارب العقدين مقاربة تنموية شاملة أولت التكامل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لعملية التنمية، إذ اعتمد لبنان ولا يزال سياسة إصلاح إعادة هيكلة اقتصادية واجتماعية وقانونية واسعة النطاق في إطار سياسة الحكومة للاندماج في الاقتصاد العالمي.
وفي إطار تنفيذ هذه السياسة، باشر لبنان عملية انضمامه إلى منظمة التجارة العالمية ابتداءً من عام 1999 وقد شارفت عملية الانضمام على نهايتها»! ولفت إلى أن عملية انضمام لبنان إلى WTO أصبحت في مراحلها النهائية، وأن هذه العملية تترافق مع سلسلة من الإصلاحات التشريعية المطلوبة للتأكد من أن النظام التجاري اللبناني يتماشى كلياً مع جميع اتفاقيات المنظمة، وقد جرى تحضير 6 مشاريع قوانين جديدة تناقش حالياً إما في مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي.
هذا السؤال طرحه الدكتور المغربي محمد سعيد السعدي، بعد شرح طويل عن آثار الأزمة المالية على البلدان العربية عبر قنوات التجارة الدولية، مسجلاً تأثيراً قوياً للأزمة نظراً إلى درجة الانفتاح الكبير على السوق العالمية وثقل الصادرات على الناتج الداخلي للدول العربية، لا بل إن عدداً من الدول العربية أصبحت ضحية للحمائية «المبهمة» التي فرضتها الدول المتقدمة... ودعا السعدي إلى اعتماد مقاربة جديدة للسياسة التجارية تهدف إلى تحقيق التنمية البشرية ومحاربة الفقر وتوفير وظائف تحترم كرامة الإنسان وتدعم المساواة بين الجنسين وتحافظ على البيئة كما تعتمد على الشراكة مع الأطراف المعنية وليس فقط القطاع الخاص.
وهذه الآثار السلبية طالت كثيراً البلدان الأعضاء في الإسكوا، فأشار الدكتور نبيل علي صفوت إلى أن عدداً من صناديق الثروة السيادية تكبّد خسائر جسيمة، إذ قدّرت نسبة خسائر البعض منها بحوالى 40 في المئة من المحفظة الاستثمارية، وانخفضت تدفّقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى بلدان المنطقة بحوالى 21 في المئة، كما أن من المتوقع أن تعاني البلدان المصدرة لليد العاملة، مثل الأردن والجمهورية العربية السورية والسودان ولبنان ومصر واليمن من انخفاض ملحوظ في تحويلات العاملين في الخارج، وخاصة من بلدان أوروبا ومجلس التعاون الخليجي.
أما الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، فتحدث عن تبعات الأزمة المالية على القطاع التجاري في الدول العربية، لافتاً إلى أن الركود ألقى بظلاله على الاقتصادات العربية التي تعتمد أساساً على الأسواق الخارجية، مشيراً إلى أن تركيبة الاقتصادات العربية تقوم على اللاإنتاج والتبعية، وبالتالي فإن الأزمة أدت إلى انخفاض الطلب وتراجع العمالة، قائلاً «المشكلة الأساسية قائمة على أن من يتحدث عن الإصلاح يحتاج هو نفسه إلى إصلاح».