قبل ثلاثة أعوام كان محمد طلال بازرباشي (أبو عبد الرحمن السوري) يقوم بجولة «دعويّة» واسعة في ريف إدلب بغية الحشد لمصلحة «جبهة النصرة»، رغم أنّه كان محسوباً منذ ذلك الوقت على «حركة أحرار الشام الإسلامية». عُرف بازرباشي حينها بالخُطب النارية التي كان يلقيها على منابر المساجد داعياً إلى «نحر النصيريّة وتفجيرهم وإبادتهم».
في أواخر العام ذاته خرج بازرباشي في «بيان مصوّر» يُعلن «تشكيل الجبهة الإسلاميّة السوريّة» التي «تنطلق في معتقداتها من فهم السلف الصالح من غير غلوّ ولا تفريق». في اليوم التالي كانت قناة «الجزيرة» تستضيف بازرباشي ليؤكّد «أن الشعب السوري ليس شعباً طائفيّاً» ، وأنّ «بقيّة الطوائف لهم حقوق تحفظُها الشريعة لهم». والواقع أنّ بازرباشي ذا الانتماء الإخواني كان حاضراً في معظم المناسبات التي شهدَت تحوّلات في المشهد السوري. كان من أوائل من بشّروا بـ«تحرير الرقة»، وعبر «الجزيرة» أيضاً، بوصفه «أحد قادة حركة أحرار الشام» ومتحدّثاً رسمياً باسمها. ومن المعروف أنّ «الحركة» اتهمت لاحقاً من قبل بعض حلفائها بأنّها «تواطأت في تسليم الرقة لتنظيم داعش». أخيراً وقع الاختيار على أبو عبد الرحمن ليكون «قائداً لجيش الشام» الذي أُعلن تشكيلُه يوم الجمعة تحت شعار «ثورة على الطغاة والغُلاة». وسارع بازرباشي عبر صفحته في موقع «تويتر» إلى طمأنة بقيّة الجماعات، مؤكّداً أنّ «جيش الشام يستهدف عشرات الكتائب الصغيرة والمبعثرة في عموم الساحة ممن لم ينضم إلى أيّ من الفصائل الكبيرة». وتجدر الإشارة إلى أنّ أحد أبرز قادة التشكيل الجديد هو المؤسّس الفعلي لـ«حركة أحرار الشام» محمد أيمن موفق أبو التوت (المعروف باسم أبو العباس الشامي). مصدر «جهادي» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «أبو التوت هو القائد الفعلي لجيش الشام»، في ما يبدو تكراراً لعمله بعيداً عن الواجهة طوال فترة ارتباطه بـ«الحركة». وخلافاً لما تداولته بعض المصادر من أنّ التشكيل الجديد يأتي «ردّاً على التدخل الروسي»، فإنّ الإعداد الفعلي لإطلاق «جيش الشام» كان قد بدأ في أواخر شهر آب الماضي. أمّا الهدف الأساس من إطلاق التشكيل الجديد فيتلخّص بـ«إعادة الروح للتفاهم التركي القطري (والسعودي بدرجة أقل) في الشمال». ومن المعلوم أن الأتراك كانوا قد عملوا في مرحلة سابقة على تجميع كل خيوط الشمال الميدانيّة في أيديهم، وهو هدف دفع بعض «قادة المجموعات التوافقيين» حياتهم ثمناً له. وكان من أبرزهم حسان عبود (القائد الأسبق لأحرار الشام) ومعظم قادة الصف الأوّل فيها («الأخبار»، العدد 2397) . ويوجز مصدرٌ «جهادي» لـ«الأخبار» الضرورات التي دعت إلى توافق اللاعبين الإقليميين على ضرورة إنشاء تشكيل جديد بـ«الحاجة إلى دعم مالي كبير». المصدر أكّد أنّ «معظم المموّلين الخليجيين باتوا يشعرون في الشهور الأخيرة بأنّهم يموّلون خدمةً لأهداف الاتراك فحسب، من دون أن يكون لهم ممثل فعلي على الأرض». ويبدو أن الرضا التركي عن قيادات التشكيل الجديد كان شرطاً لا يمكن تجاوزه، بسبب الدور الإجباري لأنقرة في تسهيل دعم أي فصيل، الأمر الذي أدّى إلى الاستعانة بأشخاص مثل أبو التوت الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع الأتراك، وفي الوقت نفسه يعتبر مقرّباً من وجوه فاعلة في التيار الكويتي السلفي (مثل شافي العجمي)، كما بأبي عبد الرحمن السوري، المحسوب فعليّاً على القطريين.