«موجة الإرهاب»، وفق توصيف رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تحولت أمس إلى «تسونامي». فالميدان وتطوراته المتلاحقة سبقا محاولات إسرائيل المتناقضة للحل، بين إرادة التهدئة بمعنى خضوع الفلسطينيين وعودتهم إلى المربع الأول، والتطلع إلى صورة الانتصار، أو بالنقاط، للإجراءات العقابية الإسرائيلية بحقهم.
وقد دخل قطاع غزة على خط المواجهات أمس، بجانب القدس والضفة والأراضي المحتلة، وذلك بعد اعتداء إسرائيلي مباشر على تظاهرة نظمها أهالي غزة نصرةً لباقي شعبهم، أدت إلى استشهاد سبعة فلسطينيين وجرح العشرات، الأمر الذي أعقبه استنفار لجيش العدو وإعلان التأهب في المستوطنات القريبة من القطاع، مع نشر منظومات من «القبة الحديدية» في جنوب فلسطين المحتلة، خشية من إطلاق صواريخ.
وكان الأمل الذي ساد إسرائيل في اليومين الماضيين، حول إمكانية التوصل إلى تهدئة بمساعدة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، قد تبدد أمس، بعدما باتت عمليات الطعن تنتج بدورها عمليات أخرى. وبرغم أن العدو عمد إلى إعلان حالة التأهب القصوى في القدس والضفة، استمرت العمليات بوتيرة لا تشير إلى إمكان التوصل إلى هدوء قريب، خاصة أن الاحتجاجات ورشق الحجارة والزجاجات الحارقة، انتقلت إلى ما وراء «الخط الأخضر» في تل أبيب والعفولة والناصرة. وقد شارك فيها فلسطينيو 1948، الأمر الذي ذكر الإسرائيليين بهبّة عام 2000 الدامية، مع بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
القناة الثانية العبرية تحدثت أمس عن أن نتنياهو، بعد تقدير خاص للأوضاع في كل المناطق، قرر التوجه إلى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مع «رسالة سياسية» لتخفيف حدة التوتر في الميدان، في موازاة رسالة مقابلة أيضاً إلى غزة، وتحديداً كما أشار الإعلام العبري إلى حركة «حماس»، عبر طرف ثالث، ومفادها أن إسرائيل غير معنية بتصعيد أمني مع القطاع.
مع ذلك، بدت تل أبيب في حالة من الارتباك بعدما كاد الميدان يسبق جهود الحل، فإلى جانب رسائل التهدئة إلى رام الله وغزة، عمدت أيضا إلى «عرض العضلات». واتهم وزير الأمن، موشيه يعلون، «حماس»، بالوقوف خلف استشهاد المتظاهرين بالقرب من السياج مع القطاع، لافتاً إلى أن «حماس أرسلت المتظاهرين إلى منطقة مغلقة، وهي تدرك مسبقاً أنها منطقة مغلقة». واستدرك: «آمل ألا يؤدي ذلك إلى تصعيد أمني، وآمل أن تتذكر حماس ما حدث لها في عملية الجرف الصامد».
على خط آخر، كشفت مصادر سياسية إسرائيلية للإذاعة العبرية، أن تل أبيب وعمّان تتبادلان الرسائل وتعربان عن رغبة في التهدئة إزاء القدس، وأنّ «إسرائيل والأردن يرغبان في إنهاء الوضع المتأزم في المدينة»، مشيرة إلى أنّ الجانب الإسرائيلي أبلغ الأردنيين «حقيقة ما حدث في المسجد الأقصى». وقالت المصادر: «القوات الأمنية الإسرائيلية اضطرت إلى التدخل بعدما لم تتمكن الأوقاف الإسلامية من التصدي للعناصر الفلسطينيين الذين تحصنوا داخل الأقصى وبحوزتهم متفجرات»، مشيرة إلى أن «جهات متطرفة والحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، هي التي تقف خلف هذه النشاطات والتحريض على إسرائيل».
من جهة ثانية، أثار شريط تصوير تداولته المواقع الإخبارية أمس، حول إطلاق الشرطة الإسرائيلية النار على سيدة فلسطينية من سكان الناصرة، خشية إسرائيل من أن يسبب ذلك مزيداً من ردود الفعل الفلسطينية. وكانت شرطة العدو قد أصدرت بياناً قالت فيه إنها أحبطت محاولة طعن شرطي في العفولة، وإنها أصابت الفلسطينية التي حاولت تنفيذ العملية في المحطة المركزية للمدينة. لكن يتبين من شريط التصوير أنها لم تكن تشكل خطراً على أحد، وأن إطلاق النار عليها جاء من دون مبرر. وقال مصدر أمني إن «المؤسسة الأمنية تخشى ردود الفعل على انتشار الشريط، وهي تتوقع أن يلتهب الشارع نتيجة لذلك».
في هذا السياق، إن إخفاق إسرائيل في منع الاحتجاجات الفلسطينية، أثّر سلباً في شعور الإسرائيليين بالأمن الشخصي. وأفادت صحيفة «إسرائيل اليوم» بأنّ الشرطة تلقت في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، أكثر من 25 ألف اتصال هاتفي من إسرائيليين يبلغون عن شخص مشبوه أو حقيبة مشبوهة.
اللافت، أن الإعلام العبري شنّ حملة انتقادات واسعة بحق نتنياهو وأدائه في مواجهة الاحتجاجات، التي رأت أنها مبنية أساساً على «يأس فلسطيني» من سياساته وإفشاله للتسوية مع السلطة. وكتب ناحوم برنياع، في «يديعوت أحرونوت»، أن «نتنياهو يطرح رؤية واحدة لمواجهة موجة الإرهاب: مزيد من التشدد ومزيد من قمع الفلسطينيين، وهو يؤمن بأن الانتصار على اليأس يأتي بمزيد من اليأس، والتمرد يمكن كسره بعقوبات سجن وغرامات تعسفية». ويستدرك الكاتب: «هذه القرارات لن تغير من الواقع شيئاً، فهو (نتنياهو) يعوّل على عامل الزمن، لعله يؤدي إلى نهاية للأحداث». ولفت برنياع إلى أن «إسرائيل محتل سيئ، فبدلاً من أن تمنح الفلسطينيين أملاً، قامت بالاستيطان في أراضيهم، وبدلاً من الإسهام في رفاه السكان تصرفت معهم بانعدام مسؤولية وانعدام احترام، وهي ترفض أن تعيش معهم كما ترفض أن تنفصل عنهم».
أما باراك رافيد، في صحيفة «هآرتس»، فرأى أن «نتنياهو في مؤتمره إلى جانب موشيه يعلون وقادة الأجهزة الأمنية، بدا كأنه قائد كتيبة عسكرية أكثر من كونه رئيساً للحكومة، وقد تحدث عن أمور ميدانية وعسكرية تكتيكية، لكنه لم يتحدث عن حلول سياسية وأهداف استراتيجية». وأشار رافيد إلى أن نتنياهو «لا يعرف ما يريد، ولا يعرف وجهته، وما يريد تحقيقه. كل ما ورد في كلام رئيس الحكومة لا يضيف شيئاً جديداً، باستثناء حديثه عن السلاح وعن زرع الكاميرات».
أيضاً، هاجم بن كسبيت في «معاريف» نتنياهو، واتهمه بتحريف الحقائق وصبّ الزيت على النار. وتحت عنوان «سيد أمن»، لفت الكاتب إلى أن «اللهيب يزداد اشتعالاً، وعلينا أن نصبّ الماء البارد عليه فوراً، وبدلاً من الكذب والاختباء وراء هذا وذاك، يجب على نتنياهو أن يقول الحقيقة، وأن يتخذ القرارات الصحيحة. ربحنا كراهية الفلسطينين بصدق، ليس لديهم أي سبب ليحبونا، ولأننا لن نحبهم أيضاً، فعلينا أن نختار: الاستمرار بالعيش معهم مع استمرار الاحتكاك بهم، أو الانفصال عنهم».