عند إحدى محطات الاستراحة على طريق الخارجين من العاصمة السورية يتوقف باص يقلّ عدداً من العناصر الروس تحت حماية جنود سوريين. يعرفهم الدمشقيون من سحناتهم الشقراء ولغتهم الغريبة. يتغامز الناس ويتبادلون الابتسامات والنكات، في حين ينشغل أحد الرجال بالنزول من الباص، بمرافقة العناصر السوريين، لإمداد زملائه ببعض المياه والحلوى من المحطة.
يتبعه بعض زملائه بلباس لا يميّزهم عن جنود الجيش، لكن من دون أن يحملوا أي قطعة سلاح، ما يوحي بكونهم فنّيين، في حين ينفرد عناصر الجيش السوري القيّمون على حماية الحلفاء الوافدين بالعتاد العسكري والأسلحة المختلفة. يتعامل الحلفاء مع المدنيين بابتسامات حيادية، ونظرات ثابتة. يحاولون التفاهم مع مرافقيهم ببعض الكلمات التي حفظوها من اللغة العربية، أو ببعض الكلمات الانكليزية مع العناصر السوريين الذين يفهمونها. يضحك أحد الجنود من طلب أحد العناصر الروس، محاولاً أن يألف سريعاً طبيعة الضيف الجديد ومتطلباته. يحاول من لا يجيد التفاهم مع الآخر عبر لغة مشتركة أن يستخدم الإيماءات، ما يثير ابتسامة الجندي السوري مجدداً.
«تخيم الجدية على قسمات العناصر الروس، ما يجعلك تشعر أن في داخل كل منهم دولة عظمى قائمة بذاتها»، حسب قول أحد العسكريين السوريين، في حين يجمع العاملون في مطار اللاذقية على صرامة النظام الذي يفرضه وجود أبناء الجيش الروسي، داخل حرم المطار، والذي أصبح يحتلّ أحاديث أهالي المنطقة واهتمامهم.

بعض النساء
يدعون للطيار الروسي بالحماية الإلهية

يتحرك الباص الذي يقل عناصر الجيش الحليف من المحطة شمالاً باتجاه الساحل السوري. يشير سائق الباص إلى السيارات التي تحاول تجاوزه عبر اليسار، إلى يمين الطريق، إذ إن الموكب المرافق لا يسمح باختراق أي سيارة غريبة لتتابع السيارات التي تسبق وتلي الباص، خشية أي تقصير في المهمة الأمنية للعناصر السوريين في حماية الضيوف.
يذكر أحد العسكريين أيضاً أنّ مترجمين يتولون تنظيم التفاهم الكلامي بين العناصر المتعاونين على الأرض من العسكريين والخبراء السوريين والروس، ما يجعل العمليات العسكرية تجري بسلاسة ودقة. التهليل الشعبي في الساحل السوري يرخي بظلاله مع كل طلعة جوية روسية. بعض النساء يدعون للطيار بالحماية الإلهية، كما يفعلن عند الطلعات الجوية للطيار السوري، إذ إن الهم الشعبي السائد بين أهالي الساحل هو رفع الضغط عن الجيش الذي نال حصته من هموم الحرب وخسائرها، ويرون أن الأوان آن للحليف أن يدعمه ويقوّيه. التحليق المنخفض للطائرات الروسية يزيد من الحماسة الشعبية يومياً. يظهر العناصر الروس بشكل اعتيادي في شوارع اللاذقية ومطاعمها. يدفعون المال لأصحاب المطاعم والمقاهي مع حركات إيمائية شاكرة وضاحكة. ويستمر السوريون في إطلاق النكات حيال المشاركة الروسية في الحرب أخيراً، كما يفعلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يشارك بعض عناصر الجيش الروسي في قداديس كنائس اللاذقية، بما يشعر الأهالي بالطمأنينة إلى تحركات الضيوف الاعتيادية.
وبحسب تواصل النازحين من مدن الداخل في الساحل السوري، مع ذويهم في المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش السوري، فإن ارتياحاً ضمنياً يسود أوساط المدنيين في تلك المناطق، مع بدء العمليات العسكرية الروسية في البلاد. يذكر قاسم، نازح من إدلب، أن شقيقه في المدينة أخبره أن المسلحين لا يعرفون أين يذهبون بأنفسهم، بسبب دقة الإصابات التي تعتمد معلومات مؤكدة عن تجمعات المسلحين. ويتابع الرجل ما رواه شقيقه عمّا يذاع في أوساط المدنيين ضمن المدينة وريفها أن «الروس يتصيّدون المسلحين في المناطق الداخلية كما لو كانوا يتصيّدون العصافير».