رام الله | حالة «حيادية» أبدتها أجهزة الأمن التابعة لرام الله، في الأيام الماضية، انعكست بطريقة ما على تصريحات قادة حركة «فتح» والمسؤولين في السلطة، فلم يأت أحد منهم على إدانة أيّ من العمليات التي جرت في القدس أو نابلس خلال الأيام الماضية، وشهدت مدينة رام الله، وسط الضفة، حادثتي احتكاك بين الأمن الفلسطيني وجنود العدو الإسرائيلي، من دون أن يتطور الأمر إلى مواجهة.
تطوراتٌ فتحت شهية المواطن الفلسطيني على إمكانية أن تكون قيادته قد بدأت فعلياً تغيير استراتيجيتها وتعليق التنسيق الأمني مع العدو، ولكن سرعان ما جاءت تصريحات رئيس السلطة محمود عباس، التي أكد فيها للإسرائيليين أنه لا يرغب في أي تصعيد عسكري أو أمني، قائلاً بكل وضوح: «قلناها بالفم المليان، وكل تعليماتنا إلى أجهزتنا وإلى تنظيمنا وإلى شبابنا وإلى جماهيرنا نحن لا نريد التصعيد».
هذه التصريحات أكدت للجميع ما كانوا يشكون فيه منذ البداية: السلطة تحاول الاستفادة من التصعيد القائم للضغط على العدو، من أجل الوصول إلى الهدف نفسه، وهو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، أو حتى الحصول على أقل استحقاق يمكن وصفه بأنه «إنجاز»، أي إننا لن نمنع المسيرات لكن من دون أن تتطور الأمور إلى حدّ المواجهة المسلحة أو الانتفاضة الشعبية الكبرى.

نزل عناصر الأمن الفلسطيني هذه المرة بلباس مدني
وأكدت مصادر خاصة لـ«الأخبار» وجود الأمن الفلسطيني بلباس مدني، قبل يومين، في محيط حاجز «بيت ايل» العسكري، لاحتواء المتظاهرين وثنيهم عن التوجه إلى نقاط المواجهة. خرج في الوقت نفسه مقطع مصور، نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لعقيد في «الأمن الوطني» بزيّه المدني يحاول إقناع المتجمهرين في ميدان البالوع ــ على بعد مئات الأمتار عن منزل عباس ــ بألا يذهبوا إلى نقاط المواجهة. وخاطب المتظاهرين قائلاً: «ما حدا يقدم ولا حدا يخرج. خليكم عن نفس الموقع هون. إذا بتقربوا عليهم وبتنزلوا بضيعوا تعبنا ع الفاضي. خلونا نهتف هون ونحكي اللي بدنا اياه، وإذا قرّبوا ما ترحموهم».
في المقابل، لا يزال الإعلام الإسرائيلي يورد التقرير تلو الآخر بشأن استمرار التنسيق الأمني بين السلطة وتل أبيب، بل زيادته أثناء الأحداث الأخيرة، وهو ما رفضه المتحدث باسم الأجهزة الأمنية، اللواء عدنان الضميري، الذي ردّ كذلك على ما قيل بشأن «مساهمة الأجهزة الأمنية في اعتقال خلية ايتمار التابعة لحماس». وأضاف في حديث إلى «الأخبار»: «الأخبار الإسرائيلية تلتقي فقط مع أخبار حماس، وكلاهما يحاولان نشر أخبار تؤدي إلى جر الشعب إلى دمار كالدمار الموجود في غزة». الضميري رفض، في الوقت نفسه، إجابتنا عن الأسئلة المتعلقة بحوادث الاحتكاك بين الأمن الفلسطيني وجيش العدو، أو أسباب وجود الأمن مع المتظاهرين على خط التماس، ولكنه أكد «مسؤولية الأجهزة الأمنية عن حماية الشعب»، لافتاً إلى أن الأجهزة ستبدأ في اليومين المقبلين «مشاركة أهالي القرى المحيطة بجدار الفصل والمستوطنات في قطف الزيتون وتأمين الحماية لهم».
على المستوى السياسي، أعاد عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» وكبير المفاوضين، صائب عريقات، الحديث الرسمي عن أن ما تشهده الضفة من مواجهات ما هو إلا نتيجة طبيعية للممارسات الإسرائيلية، مضيفاً: «رغم كل التشويه الذي يلحق بفتح، فإننا لا نزال الحركة القابضة على الجمر والحامية للمشروع الوطني». ولم يرَ عريقات، في حديث إلى «الأخبار»، أيّ غرابة في «الصدام بين الأجهزة الأمنية والاحتلال»، قائلاً: «في الواقع لو أخذنا شهداء فلسطين منذ عام 1994 حتى الآن لوجدنا 85% منهم هم شهداء الأمن وشهداء فتح». وأشار إلى أن «قيادة منظمة التحرير اعتمدت في اجتماعها اليوم (أمس) استراتيجية شاملة للمقاومة الشعبية السلمية».
وبنظرة إلى الميدان، لا تكادُ محافظة في الضفة تخلو من نقاط التماس مع العدو، فالمدن والقرى محاصرة بالمستوطنات والبؤر العشوائية من جهة، وحواجز الاحتلال وأبراج المراقبة من جهة أخرى، فضلاً عن الاحتكاك الذي يفرضه جدار الفصل العنصري من جنين شمالاً حتى الخليل جنوباً. وهنا يؤكد مراقبون أن السلطة بفعل التزاماتها الأمنية مع العدو حالت دون أن تكون هذه المناطق كلها مناطق اشتباك معه.
كذلك فإن اتفاقية أوسلو (1993) تحتّم على السلطة التنسيق أمنياً مع العدو، وبموجب الملحق الأمني تسيّر الدوريات المشتركة في شوارع الضفة (المناطق المصنفة ج)، وإن غاب هذا المشهد أخيراً، ولكن من «حق الاحتلال» وفق الاتفاقية اقتحام المدن الفلسطينية بعد تبليغ الجانب الفلسطيني حينما يستشعر الخطر بوقوع عمليات فدائية.
من الجدير الإشارة إليه أنه مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 شاركت الأجهزة الأمنية بصورة بارزة في الاشتباك مع العدو، الأمر الذي دفع أرئيل شارون ــ بالترافق مع ضغط العمليات الاستشهادية ــ إلى إعادة احتلال الضفة من جديد وتدمير المقار الأمنية، بعدما توقف التنسيق المشترك. ومع تسلم عباس الرئاسة وسعيه إلى حل «كتائب شهداء الأقصى» (الجناح المسلح لفتح) وباقي التشكيلات، عاد التنسيق الأمني. كذلك دُمج من تبقى من عناصر الكتائب في الأمن، وأعيد بناء القوات الفلسطينية وفق أسس تحظى بقبول إسرائيلي ودولي، أدى إلى حصر السلاح، الذي يفتقده شبان الضفة، في يدها.