لا يريد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لأحد أن يخدش علاقته مع السعودية لو خدشا بسيطا، حتى إن كان الخادش هو الشعب، لكن الأمر جاء من حيث لا يحتسب، وتحديداً من حكومته نفسها، التي تثير، وفق المؤشرات الأولية، غضب المملكة، وخاصة بعد كلام وزير الثقافة، حلمي النمنم، الذي يهاجم دائماً الرياض ووهابيتها، والسلفيين في مصر، المعروف عنهم أيضا علاقتهم المالية والفكرية بـ «المملكة».
آخر «شطحات» النمنم ما قاله عبر فضائية «صدى البلد»، عن أن «مصدر الإرهاب في العالم بأكمله هو حسن البنا وسيد قطب، والوهابية»، وأتبعها ملخصا بأن «الإسلام السياسي جلب الخراب لمصر». كما أنه في مؤتمر «المشكلة السكانية والحلول غير التقليدية»، الذي عقده «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مصر، قال إن «الوهابية هي الأزمة الاقتصادية في مصر... هي ناجمة عن التضخم السكاني الذي حدث نتيجة تشبع المصريين الذين سافروا إلى السعودية بالفكر الوهابي». وفي أول لقاءاته المفتوحة مع المثقفين قبل أيام، قال إن عليهم «تحرير مصر من السلفيين»، مضيفا: «إذا لم تتصد وزارة الثقافة، بمعاونة المثقفين، لهذه التيارات الظلامية، فلن نتقدم خطوة للأمام.

بدا الرجل وحيداً في
ظل رئيس وحكومة لا يحبان أن تغضب الرياض
هناك فئة معينة هم السلفية تسيطر على الوضع الثقافي في مصر».
قوبلت هذه التصريحات بترحيب كبير وسط النخبة وحشد من الشارع من غير الراضين عن علاقة الرئاسة بحزب «النور» والسلفيين، بل يرونها عودة إلى الوراء على عكس ما وعد به السيسي حينما قال: «لا عودة للوراء»، فيما بدا أن النمنم يحارب آل سعود وحيدا، في ظل رئيس وحكومة كاملة لا تحب أبداً أن تغضب الرياض، وأكبر دليل على ذلك رد الفعل الرسمي والأزهري على حادثة منى التي قضى فيها عدد كبير من الحجاج المصريين.
يبدو غريباً على السيسي أن يأتي في حكومة شريف إسماعيل برجل يهاجم الحليف الخليجي الأهم حتى الآن، ولا شك أن أموال المملكة أهم بكثير بالنسبة إلى الرئاسة من إرضاء «المثقفين»، عبر الإتيان بواحد منهم وزيرا، وخصوصا أن السعودية، على مستويات إعلامية، أعلنت سريعاً رفضها تولي حلمي النمنم هذا المنصب. غرد أحد الإعلاميين السعوديين المشهورين، جمال خاشقجي، بالقول: «للعلم لمن يخطط لمناشط ثقافية متبادلة مع الأشقاء في مصر، وزير الثقافة الجديد حلمي النمنم ليس بناقد للوهابية فقط، إنه يمقتها ويحمّلها كل مصائب بلده».
وأضاف الكاتب السعودي المهاجم دائماً للقاهرة: «بصراحة وبوضوح، وبحكم العلاقة بين السعودية ومصر ولطبيعة النظام هناك، حري بالأخيرة ألا تعين وزيراً أمعن في الإساءة للمملكة مثل حلمي النمنم».
لعل الأيام المقبلة ستشهد غضباً رئاسياً على وزير الثقافة، وخاصة في ظل التصعيد السلفي المصري ضد تصريحاته في أجواء الانتخابات البرلمانية. والسيسي لن يرضى، بأي حال، أن يفسد وزير علاقته مع السعودية، ويكفي أنه لم يرض، بل ظهر غاضبا، حينما رد على منتقدي تعامل المملكة مع وفيات الحجاج في تدافع منى (راجع عدد أمس).
وبرغم أن هجوم النمنم ضد الوهابية لم يكن الأول من نوعه، لكنه ألّب عليه رؤوس السلفيين ومنهم رئيس حزب «النور»، يونس مخيون، الذي هاجمه ورفض كلامه كله. وصوب مخيون بندقيته الكلامية أكثر على الرئيس، قائلاً: «على من عين هذا الوزير أن يلزمه احترام الدستور الذي استفتى عليه الشعب، وألا يخلط بين معتقداته وأفكاره الشخصية، وبين كونه وزيرا يعبر عن توجه دولة... وإلا فاﻹقالة».
ويبدو، حقيقة، أن السلفيين الذين هاجموا السيسي لأنه جاء بوزير يعاديهم، لا يعرفون تاريخ حلمي النمنم، الذي يعد مشواره الثقافي كتابةً وقولا ينصبّ على هدف واحد هو: الوهابية والإسلام السياسي والسلفنة. أيضاً، له مؤلفات يهاجم فيها مؤسس «جماعة الإخوان المسلمين»، حليفة السلفيين القديمة، وعنوانه «حسن البنا الذي لا يعرفه أحد»، وآخر بعنوان «سيد قطب وثورة يوليو». كذلك تمكن مراقبة آخر مقالات له نشرت في جريدة «المقال» (إحدى عشرة مقالة) كانت موجهة صوب السلفيين وجذورهم الوهابية ودعم الدولة لهم، وضرورات «تجديد الخطاب الديني وتنقية مؤسسة الأزهر من الوهابية».
يعقّب الروائي المصري، حمدي أبو جليّل، على اختيار الرئاسة شخص النمنم المعادي للوهابية والسعودية وزيرا في ظل نظام حليف للملكة، بأن «اختيار وزير الثقافة السابق عبد الواحد النبوي ووزير التعليم الجديد، ثم النمنم، يؤكد أنه لا أحد يعمل ولا تقارير تكتب»، مضيفا: «أكاد أجزم بأن الذي اختار النمنم لا يعرفه. أقصد لا يعرف مشروعه الكتابي والصحافي والفكري المتلخص في الإخوان وسيد قطب والإسلام السياسي عموماً».
يتابع أبو جليل: «جاؤوا به لأنهم أرادوا أن يكون من قلب المثقفين وعارفا بهم وبقضاياهم»، لكنه رأى أن «حماية مصر من التسلف والتزمت والإرهاب الوهابي هي مهمة حلمي النمنم الأساسية، ومهمة أي وزير ومسؤول ثقافي في دولة تحارب الإرهاب مثلنا. كلامه المنطقي عن العلمانية وضرورتها وأصالتها في مصر بدا شجاعا وجريئا بل صادما لأن الدولة التي تحارب الإرهاب لا تحاربه بالكامل، فهي تقصف داعش والنصرة والقاعدة، وتتحالف بل تتآمر تآمرا مع جماعة الدعوة السلفية وحزب النور».
مصطفى...