عمان | في الخطاب الأخير للملك الأردني، عبدالله الثاني، قبل أيام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ركز في حديثه على سبل مواجهة الفكر المتطرف التكفيري، ودعم الاعتدال كوسيلة لمواجهة من سمّاهم خوارج العصر، ثم وضع مجموعة من النقاط اعتبرها خريطة طريق للانتقال إلى المجتمعات المتسامحة.
لم تمض أيام على الخطاب، حتى أعلن النائب في البرلمان، مازن الضلاعين، مقتل نجله محمد، الملقب بـ«أبي البراء الأردني»، في عملية انتحارية نفذها في الأنبار شرقي العراق، وأن الصور التي بثها تنظيم «داعش» عن العملية تعود فعلاً إلى ابنه الذي التحق بصفوف التنظيم منذ مدة.
وصرّح الضلاعين بأنه التقى ابنه في رمضان الماضي، في أوكرانيا، قبل مغادرته إلى تركيا ثم سوريا فالعراق، وأضاف: «بدت عليه مظاهر التدين، وناقشته في الفكر الذي بات يتبناه، لكنه لم يستمع إلي. خاطبت جهات رسمية ودبلوماسية في أنقرة وعمان لردعه عن الوصول إلى سوريا، لكن مخططات إدخال الشباب إلى هناك محبوكة وشديدة السرية».
والأغرب أن الابن الذي تواصل مع والده النائب في العشرين من آب الماضي، أبلغه أنه «سجّل لعملية استشهادية قريبة، ودعاني مع والدته إلى الالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية لنرى حقيقة تطبيق خلافة رسول الله».
رغم ذلك، افتتحت عائلة الضلاعين بيتاً للعزاء في مسقط رأس ابنهم في قرية جوزا، في لواء عي جنوبي الكرك يومي الجمعة والسبت الماضيين، وفي ديوان آل قموة في عمان أمس. واللافت، أيضاً، أن الطيار الأردني الذي أعدمه «داعش»، معاذ صافي الكساسبة، والداعشي محمد الضلاعين، ترعرعا في لواء واحد في مدينة الكرك جنوبي المملكة. مع هذا، أعلنت عائلة الطيار الكساسبة، أمس، أنها ستقدم «واجب العزاء» إلى النائب مازن الضلاعين بعد مقتل نجله بعملية انتحارية مع التنظيم الذي قتل وأحرق ابنها، في كانون الأول من العام الماضي.
وقال اللواء فهد الكساسبة (عم معاذ)، في تصريح صحافي، إن العائلة ستقدم «واجب العزاء للنائب الضلاعين، بالمصيبة التي أصابته وعائلته. هو نائب وطن كانت له وقفته ولا يزال مع عائلتنا».
وسط ذلك، بدأت دعوات من كتاب وصحافيين إلى رفض إقامة بيوت عزاء لمئات من الأردنيين يقاتلون مع «داعش»، فيما اتجه آخرون للسؤال عن كيفية تبنّي المملكة محاربة «داعش» ثم السماح بفتح بيوت عزاء لمن يقتل منهم فيها.
يقول الكاتب محمد الجيوسي إن ما جرى «يتنافى مع الموقف الرسمي المعلن من الحرب على الارهاب، كما يتنافى مع موقف الملك المعلن أخيراً في نيويورك، وكذلك مع جوهر برقية التهنئة التي أرسلهما المستشار العسكري للملك الفريق أول الزبن إلى نظيره السوري، لمناسبة عيد الأضحى وأعرب فيها عن تمنياته للجيش السوري بالتقدم والازدهار».
وأضاف الجيوسي: «السماح بإقامة بيوت عزاء لإرهابيين أردنيين تسللوا من تركيا إلى سوريا أو العراق يعني تقبّل وجود إرهابيين أردنيين على الأرض السورية وغيرها، ويعني اعتبار مقتلهم هناك عملاً مشروعاً، وهو ممارسة مزدوجة في المعايير، فقد سبق أن اعتقل نواب إسلاميون وحكم عليهم لتعزيتهم بالإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي».
ويشير متابعون إلى أن هذه ليست الحادثة الأولى، فقد قتل قبل أشهر نجل النائب في البرلمان محمد فلاح العبادي، واسمه عمران، أثناء مشاركته في القتال ضمن صفوف «جبهة النصرة» في سوريا. وتقدر بعض المصادر أن ما لا يقل عن 4500 أردني ملتحقون بالتنظيمات المسلحة في سوريا والعراق، أعلن مقتل 400 منهم في سوريا وحدها، وفق ما تقاطع من إعلان سوري رسمي مع مواقع المسلحين.