■ أيّ تطورات تتوقعون بعد تجدد هجمات الجيش التركي على مواقع حزب العمال؟ ولماذا بدأت تركيا الحرب بهذا الشكل المفاجئ؟ ــ يمكن تقييم هذه الحرب على أنها جديدة، لكن قرار الحرب اتخذته الدولة التركية في اجتماع لهيئة الأمن القومي بتاريخ 30 تشرين الأول من عام 2014، شارك فيه ممثلون عن الاستخبارات وهيئة الأركان التركية.

وكانت اللقاءات مع قائد حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، مستمرة في تلك الفترة، ولكن غياب سياسة تركية لحل القضية الكردية كان يدفع (بالمسؤولين الأتراك) إلى المماطلة باتخاذ الخطوات المطلوبة. وقيام الشعب الكردي في شمال كردستان، «كردستان تركيا»، بالاحتجاج على هجمات «داعش» في كوباني، أوصل الدولة التركية إلى اقتناع بتعاظم القوة الجماهيرية للحركة التحررية الكردستانية، وبضرورة إعلان الحرب من أجل إضعاف هذه الحركة. وعلى هذا الأساس، اتخذ المسؤولون الأتراك قرار البدء بالحرب حينها، وكان موقفهم السياسي واضحاً في تلك الفترة، وقاموا بنتيجته بإيقاف اللقاءات مع أوجلان منذ 5 نيسان 2015. إن التضييق الذي يمارَس منذ ستة أشهر على أوجلان، ومنعه من لقاء موفدين عن حزبه في تركيا، يؤكدان الموقف التركي بشكل واضح، علماً بأن أوجلان عمل أقصى المستطاع من أجل سلام دائم وحل ديمقراطي للمسألة الكردية.
وكان متوقعاً، في حال نجاح حزب «العدالة والتنمية» في الحصول على نسبة أصوات في الانتخابات التشريعية الماضية تتيح له تشكيل الحكومة، أن تكون الخطوة الأولى له شنّ حرب عنيفة ضد الحركة التحررية الكردستانية. لكن الحزب لقي هزيمة كبيرة في انتخابات 7 حزيران، وكانت نقمته كبيرة على «حزب الشعوب الديمقراطي»، أكثر الاحزاب الكردية في تركيا نفوذاً، والذي يدّعي «العدالة والتنمية» أنه مرتبط بحزب العمال الكردستاني، ويرى أنه المسؤول عن هزيمته في الانتخابات. ومنذ البداية، لم يقبل «العدالة والتنمية» بنتائج الانتخابات، وصعّد التوتر عبر الهجوم على حزب الشعوب الديمقراطي، ولم يعمل على تشكيل حكومة ائتلافية، ولم يعطِ الفرصة للأحزاب الأخرى لتقوم بتشكيلها. ومن أجل كسب التأييد وإضفاء المشروعية على حكومته الحالية، قام «العدالة والتنمية» بتفعيل قرار اجتماع هيئة الأمن القومي في 30 تشرين الأول في عام 2014، وشنّ الهجوم على حركتنا.


الدولة التركية في طليعة المسؤولين عن تعميق الحرب السورية

■ إلى أي مدى سيصل اشتباككم مع الجيش التركي؟
ــ إن نتائج هذه الحرب مرتبطة بسياسة الدولة التركية، لأننا نقوم بممارسة الدفاع الذاتي. منذ 24 تموز الماضي حتى الآن، يصعّد الجيش التركي هجماته وغاراته على شعبنا وقواتنا، وفي المقابل، استهدفت قواتنا القوات الخاصة للشرطة التركية التي تقوم بهذه الهجمات. ويمكن القول إن طلب الدولة التركية من الأكراد ترك السلاح والاستسلام يعني أن هذه الحرب ستتصاعد أكثر، لأننا لا يمكن أن نقبل بأمر كهذا، علماً بأن قواتنا لم تستخدم حتى الآن سوى عُشر قوتها، وإذا ما قامت الدولة التركية بالهجوم على المدنيين الأكراد، فإن إطار هذه الحرب لن يقتصر على كردستان فحسب، بل سيتوسع في تركيا أيضاًَ.

■ ألن يؤدي تعميق الحرب في هذه الفترة إلى زيادة اللااستقرار، سواء في سوريا والعراق، أو في منطقة الشرق الأوسط؟
ــ من شأن حل القضية الكردية بالطرق الديمقراطية أن يكون ذا تأثير إيجابي على حل القضايا الموجودة في المنطقة، وكان هناك إمكانية لتحقيق ذلك. إنّنا أكدنا أكثر من مرة أن حكومة حزب العدالة والتنمية تضع بسياساتها هذه تركيا في معمعة الحرب الجارية في المنطقة.
الدولة التركية في طليعة المسؤولين عن تعمق الأزمة في سوريا وانسداد أفق الحل فيها، فهي قدمت الدعم لكل من داعش وجبهة النصرة، وقامت عن طريقهما بتصعيد ممارسة السياسة بالحرب في الشرق الأوسط، وكان هدفها التأثير في الوضع السياسي في سوريا، وأن تتحول إلى قوة مهيمنة في المنطقة.
مما لا شك فيه أن الحرب الجارية بيننا وبين تركيا تقوّي من أرضية الحرب في المنطقة، بدلاً من ترجيح سياسة الحل الديمقراطي.

■ في ظل تجدد الحرب، ما مستقبل مشروع السلام بين الأكراد والأتراك الذي دعا اليه أوجلان قبل عامين؟
ــ قامت حركتنا بإعلان أول وقف لإطلاق النار في آذار من عام 1993، ومنذ ذلك الوقت نفّذنا وقفاً لإطلاق النار 9 مرات، وأدت هذه الفترات إلى خلق أرضية للحل الديمقراطي في تركيا. لدينا أمل وطموح كبيران من هذه الناحية، والحرب والسلام مرتبطان بسياسة القائد أوجلان، وبالدور الذي سيلعبه في مرحلة الحل. إن تمكين أوجلان من التفاوض في ظروف أفضل، حيث يستطيع عقد اللقاءات والنقاش وإصدار القرارات للأشخاص المعنيين، سيطوّر إمكانية الحل الديمقراطي.

■ هل تقوم جهات بدور الوساطة من أجل وقف الحرب في هذه الفترة؟
ــ في الوقت الراهن، ليس هناك من يقوم بدور الوساطة. نحن حددنا الظروف والشروط التي تسمح بالتفاوض والتوصل إلى وقف لإطلاق النار. ففي ظل الموقف الحالي للدولة التركية، الذي يمكن اختصاره بـ«سنقضي عليهم ونحطمهم»، ومحاولتها فرض الشروط، جعلت محاولات الوساطة لا تتعدى تقييم الآراء والمواقف.

الهجمات التركية أتت بعد اللقاءات مع الأميركيين حول قاعدة إنجرليك

■ ما هو الدور الأميركي في الحرب هذه؟ هل لديكم اقتناع بأن أميركا أعطت الأتراك الضوء الأخضر لضرب حزب العمال الكردستاني؟
ــ صرّحت أميركا بأن «لا علاقة للاتفاق التركي ــ الأميركي بخصوص داعش بالهجوم على حزب العمال الكردستاني». إنهم ينفون علاقتهم بالهجوم التركي، ونحن نأخذ هذه التصريحات بعين الاعتبار، لكن لا يمكن إنكار أن الهجمات تمت بعد اللقاءات التي أُجريت حول (استخدام الولايات المتحدة لقاعدة) إنجرليك. فحتى إذا لم يحظَ الهجوم بقبول أميركي، فهذه اللقاءات منحت شجاعة كبيرة للأتراك، كذلك لم تندد أميركا بالهجمات التركية، ولم تنتقدها.
الآن، ما زالت الحكومة التركية تدعم، بشكل مباشر وغير مباشر، كل من التنظيمين الفاشيين، داعش وجبهة النصرة. ويمكن القول حتى إن هجوم تركيا على قواتنا قد أدى إلى مساعدة داعش. فلولا الهجوم التركي، لكانت حملاتنا ضد داعش أكثر قوة. ونحن أيضاً نفكر أن أميركا لا تريد أن تُضعف القوة التي تناضل ضد داعش، ولا نعتقد أن أميركا تقوم باستهدافنا بشكل مباشر.

■ كيف تقيّمون مشاركة «حزب الشعوب الديمقراطي» في الحكومة المؤقتة قبل الانتخابات؟
ــ مشاركتهم في الحكومة هي قرار عائد لهم، وهم يملكون حججاً قوية تدعم قرار المشاركة؛ وفي المقابل، هناك انتقادات لمشاركتهم، وهي أيضاً محقة إلى حدّ ما. لم تتشكل هذه الحكومة، دون شك، وفق مشروع مشترك، وهي لا تُعتبر ائتلافاً، بل آلية دستورية. في الظروف الطبيعية، لا يوجد حجة من أجل عدم المشاركة في هذه الحكومة، لكن في تركيا لا أرضية للسياسة الطبيعية.

■ هل ستؤثر الحرب بشكل سلبي في أصوات حزب العدالة والتنمية؟
ــ هي ستؤثر سلباً في الأصوات، دون شك. ولم يكن أردوغان يفكّر في أن قوات حماية الشعب ستقوم بتسديد الضربات القوية لقواته، وهو لم يكن ينتظر أيضاً إعلان الشعب الكردي لإدارته الذاتية الديمقراطية. إن قتل عدد كبير من الشرطة والجنود أدى إلى أن ينقلب السحر على الساحر. لأول مرة في تركيا تقوم عوائل الشرطة والجنود بإبداء ردود أفعال بهذه الدرجة ضد الحكومة.

■ ماذا تفكرون بصدد أكراد سوريا؟
ــ يمكن أن يعاني الأكراد في سوريا أيضاً من المصاعب، ولكن سيصلون إلى حياة ديمقراطية حرة، ضمن الوحدة السورية. يُعتبر الأكراد في سوريا من أكثر الفئات التي تريد العيش في ظل سوريا الموحدة؛ فتاريخياً، لم يكن هناك تعارك جدّي بين الأكراد وسوريا. الأكراد في سوريا أيضاً لم يحصلوا على حقوقهم السياسية والثقافية، ولم يديروا أنفسهم بأنفسهم، وهم تعرضوا بشكل دائم للعنف، لكن ليس بمستوى ما كان يتعرض له الأكراد في الأجزاء الأخرى. في غربي كردستان، يجد الاكراد مستقبلهم في سوريا ديمقراطية جديدة، رغم إصرار تركيا على تحريض الأكراد ضد سوريا، الأمر الذي رفضه الأكراد.

■ في الفترة الأخيرة، ظهرت أزمة في علاقتكم مع إدارة إقليم كردستان العراق، وذلك بعد أن تم ضرب مواقعكم. في الوقت الراهن، ما هي علاقتكم بكلّ من «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (حزب مسعود البرزاني) والأحزاب الأخرى في الإقليم؟
ــ علاقتنا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لم تتأثر سلباً في الفترة الأخيرة، بل إن موقف هذا الحزب من ثورة غربي كردستان كان موقفاً مثيراً للدهشة وغير متوقع، وكان له تأثير سلبي. مقاربات الأحزاب المرتبطة بهم في غربي كردستان (سوريا) أدى إلى مشاكل في علاقاتنا، أو بالأحرى هذا ما نستنتجه من حديث ومواقف وسياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني.
عندما ظهرت مشكلة الرئاسة في جنوبي كردستان (العراق)، لم تقبل أحزاب في الاقليم بإطالة فترة رئاسة السيد مسعود البرزاني. إننا في الحقيقة لم نتحول إلى طرف في هذه المشكلة، لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني قام بربط موقف هذه الأحزاب بنا، ونظن أن هذه إحدى خلفيات موقفهم. هذا ما يُفهم من الإعلام المقرّب منهم.




رأي بايك أن موقف تركيا هو من أسباب المشاكل بين «العمال الكردستاني» و حزب «الديموقراطي الكردستاني». وأضاف أن علاقة «الديمقراطي الكردستاني» مع تركيا جيدة، ونضالنا ضد تركيا ينعكس بالطبع على علاقاتنا بهم، وامتناع الحزب الديمقراطي عن التنديد بهجمات تركيا لم يكن موقفاً صحيحاً.